الأشعرية في هذه المسألة لفظيا كما ذكره المحققون من متأخريهم ، فإنّ الغزالي (١) ذكر في كتاب الاقتصاد : أن الرؤية عبارة عن تجل مخصوص لا ينكره العقل ، وهذا العلم بعينه ونحن لا نأباه ، وقال الرازي (٢) في النهاية : بعد تحرير الأدلة العقلية لهم أنها ليست بقوية ، قال : ويقرب أن يكون الخلاف في المسألة لفظيا. انتهى.
قال الإمام عز الدين في المعراج : واعلم أن من طالع كتبهم ، كالأربعين للرازي وعرف احتجاجهم ، وتصفح كلامهم علم أن خلافهم معنوي ، وأنهم يثبتون الرؤية التي هي الإدراك ، إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا يحتاج في الاحتجاج على هذه المسألة إلى الرد على المجسمة ؛ إذ لا نزاع بيننا وبينهم فيها على الحقيقة ؛ لأنهم مسلّمون أن الله تعالى لو لم يكن جسما لم يصح رؤيته ونحن نسلم لهم أنه لو كان جسما لصحت رؤيته ، فالكلام عليهم في إبطال التجسيم ، (والدليل على ذلك) الذي ذهب إليه أهل العدل : أن من أدركته الأبصار فقد أحاطت به الأقطار ؛ لأن الرؤية المعقولة إنما تكون في جهة ومقابلة ، والله تعالى يتعالى عن الجهة والحلول.
قال الهادي عليهالسلام : وأنها لا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة ؛ لأن كل ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف ذليل محتاج محوي محاط به له كل وبعض ولون ... إلخ.
وقال : من زعم أن الأبصار تدركه ، وأن العيون تراه مجاهرة فقد قال قولا عظيما ، أو يقال : ويرى في القيامة بشيء مما عليه العباد فقد قال إفكا مبينا ؛ لأن كل من وقعت عليه الرؤية فمحدث ، فلا عين تراه ولا يدرك بأداة.
ومعنى ذلك عن علي كرم الله وجهه في الجنة وغيره ، ذكره في البدر الساري للوالد
__________________
(١) هو محمد بن محمد الغزالي الأشعري ثم الزيدي الطوسي الملقب حجة الإسلام ، قرأ على الجويني بطوس إلى أن توفي وانتقل إلى العراق ، وله المؤلفات المشهورة كالإحياء والمستصفى والمنتخب وغيرها.
(٢) هو فخر الدين الرازي محمد بن عمر ، من أكابر علماء الأشاعرة ومتكلميهم له مؤلفات كثيرة فيها التفسير الكبير مفاتيح الغيب ، والنهاية في أصول الدين وغيرهما توفي سنة ٦٠٦ ه.