أن لا يكون فعلا فذكره هنا بطالة وهذيان ؛ لأن كلامنا في الأفعال ، وإما أن يكون فعلا فهو إما أن ينفرد الله به ، وهو مذهب جهم ، وإما أن يحتاج إلى كسب آخر فيعود السؤال ، وكذلك المثبتون للقدرة الموجبة لا بد أن يجعلوا العباد كالظروف لأفعالهم ؛ لأنه لا اختيار لهم في السبب ولا في المسبب ، ويصير الحال فيه كالحال في الشجرة التي يوجد الله فيها اعتمادا توجب الحركة ، فإن ذلك لا يخرج الشجرة عن كونها كالظرف للحركة الموجبة عن الاعتماد ، فظهر بذلك أن المجبرة كلهم جهيمة في التحقيق.
(والدليل على ذلك) المذهب الصحيح ، وهو مذهب أهل العدل ومن وافقهم : العلم بأنا محدثون لأفعالنا ضروري ؛ لأنه لا مجال للشك فيه ؛ لأن العقلاء يعلمون بعقولهم (أنه يحسن أمرهم ببعضها ونهيهم عن بعض وثوابهم ومدحهم على الحسن) الذي يستحق عليه الثواب ، (وعقابهم على القبيح منها) ، ويعللون ذلك بكونه فعله ، وكل ذلك فرع على أنهم المحدثون لها ، وإنما قلنا على الحسن الذي
__________________
طلب عين يصح تملكها يعتقد أو يظن الانتفاع بها ، أو هو من الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضرر ، وعلى هذا لا يوصف فعل الله تعالى بأنه كسب ، لكونه منزها عن جلب نفع أو دفع ضرر ، وتعريفه عند الأشاعرة على اصطلاحهم : هو وقوع الفعل بالقدرة مع تعذر انفراده به ، وفي هذا التعريف إشارة إلى عدم الاستقلال مع أنه تعريف ناقص ، قال الآمدي : ذهب الشيخ الأشعري في خلق الأفعال ألّا تأثير للقدرة الحادثة في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته ، وإن أجرى الله العادة بخلق مقدورها مقارنا لها ، فيكون الفعل خلقا من الله تعالى إبداعا وإحداثا وكسبا من العبد لفرعه مقارن بقدرته ، والمرجع بالكسب عندهم إلى وجود الفعل بقدرة الله تعالى مقارنا بقدرة العبد في ذلك ، ولا نطيل بكثرة النقل عنهم في تحقيقه ، فإنه اسم لا مسمى له ، وقد اعترف التفتازاني وهو من المتشددين في مذهبهم بصعوبة إيضاح معنى الكسب ، ونقل الشعراني عن الغزالي ما لفظه : لا نعرف الكسب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقال ابن عربي : مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها ولم أعرفها ، ويكفي في بطلانه أنه غير معقول ، وقد عدد العلماء المذاهب التي لا تعقل ، أحدها : المذهب المتناقض كمذهب النصارى فإنهم قالوا : إن الله تعالى واحد ثلاثة ، والثاني : أن لا يدل على ذلك المذهب دلالة عقلية ولا سمعية ، كمن قال بالطبع ، وأنه مؤثر ؛ لأن المؤثر لا يعقل إلا فاعلا ، والثالث : الكسب فإنه غير معقول ، ومما يدل على إبطاله أن يقال لهم أخبرونا عن هذا الكسب الذي يحصل بقدرتنا أكان حصوله منا اختياريا أو على جهة الإيجاب؟ فإن قلتم : اختيارا خرجتم عن مذهبكم ؛ لأن عندكم أنا غير مختارين ، وإن قلتم : على جهة الإيجاب سقط عنا المدح والذم والأمر والنهي ، ويلزم حصول أفعالنا دفعة ؛ لأن الموجب لا يتراخى عن الذي أوجبه ، والله الهادي والموفق.