بالنيات» (١) وأما الإجماع : فهو أن الرضى بقضاء الله واجب ، ولو كان الكفر من قضاء الله تعالى لكان الرضى به واجبا لكن الرضى بالكفر كفر بالإجماع ، فعلمنا أن الكفر ليس من فعل الله فلا يكن من خلقه ، ذكر هذا بعضهم ، (فثبت بذلك) الذي ذكرنا من الأدلة العقلية والنقلية (أن) العباد (أفعالهم منهم) لا من الله تعالى وبطل ما ذهب إليه المخالفون ، وقد ألزموا بإلزامات في البسائط تقضي بكفرهم ولا محيص لهم عنها ، ولله القائل : (أتظن أن الذي نهاك دهاك ، إنما دهاك أسفلك وأعلاك) (٢) ، فيا لله من سلب العقول وتضييع المعقول والمنقول.
تنبيه : واعلم أن المعتزلة قد اتفقت على انقسام فعل العبد إلى متولد ، وهو الفعل الموجود بواسطة موجبة كالعلم الحاصل بواسطة النظر والمبتدئ يقابله ، وهما يرادفان السبب والمسبب في أغلب الأحوال ، ويفارقان المباشر والمتعدي مفارقة الأعم للأخص ؛ لأن المباشر هو الموجود في محل القدرة عليه ، والمتعدي هو الموجود في غير محلها بواسطة فعل في محلها ، فكل متعد متولد ولا عكس ، وكل مباشر مبتدئ ولا عكس ، واختلفوا في المتولد ، فالذي عليه الزيدية أن المتولد فعل العبد حقيقة وتأثيره كالمبتدئ ، وإن اختلفا في أن أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة ، وقال أبو عثمان الجاحظ (٣) : لا فعل للعبد
__________________
تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها حتى ما تجعله في في امرأتك» قيل في تفسير هذا الحديث : أن المؤمن ينوي كثيرا من عمل الخير فيقصر به عمله ، وأن الكافر ينوي كثيرا من عمل الشر فيقصر به عمله ا. ه.
(١) حديث «الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» أخرجه الستة إلا الموطأ عن عمر بن الخطاب ، وأخرجه من أئمتنا الإمام المرشد بالله ـ عليهالسلام ـ وهو أول حديث في أمالي المرشد بالله والبخاري.
(٢) هو أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب عليهالسلام حكاه الأمير الحسين في ينابيع النصيحة.
(٣) الجاحظ : عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء الليثي أبو عثمان الشهير بالجاحظ من أئمة الأدب العربي ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، من أهل البصرة مولدا ووفاة ، تعلم بها وببغداد فنبه في علوم الأدب واللغة ، وأحاط بمعارف عصره فلم يترك موضوعا إلا وكتب فيه ، تقرب من الخلفاء والوزراء إلى أن ولي المتوكل العباسي ، وتنكر للمعتزلة فتوارى الجاحظ وعاد إلى البصرة ولازم منزله الذي أصبح مثوى الأدب ومحط رحاله ، وفلج في آخر عمره ومات والكتاب على صدره ، قتلته مجلدات وقعت عليه ، كتبه كثيرة وشهيرة وموجودة بأرقى الطبعات.