أنزل الله تعالى عليه (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) فأبوا أن يقرّوا بذلك فاصبح رسول الله صلىاللهعليهوآله مشتملا على علي والحسن والحسين [في خميل له] وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة [وله يومئذ عدة نسوة] (١) فقال شرحبيل لصاحبه : يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار ابن فضّ قد علمتم أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عند رأيي فإني والله أرى أمرا مقفلا (٢) والله إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنّا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه امره ، ولا يذهب لنا من صدور قومه حتى يصبونا بجائحة ، وإنا لأدنى العرب منهم جوازا ولئن كان هذا الرجل نبيّا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلّا هلك.
فقال له صاحباه : فما الرأي يا أبا مريم فقد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإنّي أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا فقالا : أنت وذاك ، فتلقى شرحبيل رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال : «وما هو» فقال : شرحبيل حكمك اليوم وليلتك إلى الصباح فبما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لعل ورائك أحد يثرب عليك».
فقال له شرحبيل : سل صاحبيّ ، فسألهما فقالا : ما يورد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل وداعه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «كافر جاحد موفق» فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله يلاعنهم حتى إذا كان من الغداة أتوه وكتب لهم هذا الكتاب :
بسم الله الرّحمن الرحيم هذا ما كتبه محمد صلىاللهعليهوآله لنجران : أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة ، وفي كل صفر ألف حلة أو قيمه ما زادت حلل الخرج أو نقصت [الى أن قال : بعثه رسول الله إلى نجران]. ليجمع صدقاتهم ويقدم عليهم بجزيتهم» (٣).
الحديث العاشر : إبراهيم بن محمد الحمويني في كتاب (فرائد السمطين) وهو من أعيان علماء العامة قال : انبأني عبد الحميد بن فخّار عن أبي طالب بن عبد السميع إجازة عن شاذان بن جبرئيل قراءة عليه عن محمد بن عبد العزيز عن محمد بن أحمد بن علي قال : أنبأنا أبو منصور محمود بن
__________________
(١) زيادة من البداية والنهاية.
(٢) في البداية : ثقيلا.
(٣) البداية والنهاية : ٥ / ٦٥ ط. دار إحياء التراث ، وطبقات ابن سعد : ١ / ٢٨٨ ـ ٣٥٨ بتفاوت ، وفتوح البلدان : ٧٦ ، والبحار : ٢١ / ٣٦٠ مختصرا.