الباب التاسع عشر
في قوله تعالى (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١)
من طريق العامة وفيه حديث واحد
الثعلبي في تفسيره في تفسير هذه الآية قال : قال ابن عباس رضي الله عنه : وهي قريظة والنضير وهما بالمدينة وفدك وهي من المدينة على ثلاثة أميال وخيبر وقرى عرسه وينبع جعلها الله تعالى لرسوله يحكم فيها ما أراد واختلفوا فيها فقال أناس : هلا قسمها؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآله وقوله تعالى (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) يعني : من أموال كفار أهل القرى ، واختلف الفقهاء في وجه استحقاقهم سهمهم من المال الفيء والغنيمة ، فقال قوم : أنهم يستحقون ذلك بالقرابة ولا تعتبر فيهم الحاجة وعدم الحاجة ، وإليه ذهب الشافعي وأصحابه ، وقال آخرون : إنهم يستحقون ذلك بالحاجة لا بالقرابة.
وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه ، فإذا قسم ذلك فضل الذكور على الإناث كالحكم في الميراث فيكون للذكر سهمان وللأنثى سهم.
وقال محمد بن الحسن يسوى بينهم ولا يفضل الذكور على الإناث (٢).
قال يحيى بن الحسن صاحب (العمدة) : الأقوى ما ذهب إليه الشافعي وهو الصحيح ، ويشهد بصحته ظاهر الكتاب العزيز لقوله تعالى : (وَلِذِي الْقُرْبى) فأوجب لهم سهما معلوما ، ولم يفرق بين من كان له حاجة وغير ذي حاجة ، ومن ذهب إلى أنهم يستحقون ذلك بالحاجة لا بالقرابة فمخالف لظاهر الكتاب العزيز ؛ لأنه لو كان الاستحقاق لمجرد الحاجة لقد كان يوجد في غيرهم من هو أحوج منهم ، واذا وجد من هو أحوج منهم وكان مجرد الاستحقاق حاصلا فيه ، وهو وجود الحاجة دون القربى كان أحق به ، وهذا خلاف ورود النص في لفظ الآية لأن لفظ الآية متضمن لفظ (الْقُرْبى) ولفظ (الْقُرْبى) حاصل فيهم لا في غيرهم ، وقوله : يقسم بينهم قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين مخالف أيضا لظاهر الكتاب العزيز ، وعلى كلا الوجهين فهو مستحق لهم من جانب الميراث أولا للفظ القرآن انه لهم ، لأنهم أولو القربى ، والثاني لموافقة أبي حنيفة على قسمته للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإذا ثبت ذلك لم يبق إلّا وجوب الميراث لهمعليهمالسلام ولا حجة لمن دفعهم عنه انتهى كلامه (٣).
__________________
(١) الحشر : ٧.
(٢) العمدة : ٥٥ / ٥٦ عن الثعلبي.
(٣) العمدة : ٥٦ / ذيل ح ٥٦.