دخلت على أبي جعفر عليهالسلام فدعا بالغذاء فأكلت منه طعاما ما أكلت طعاما قط أنظف منه ولا أطيب فلما فرغنا من الطعام قال : «يا أبا خالد كيف رأيت طعامك؟ أو قال : طعامنا؟ قلت : جعلت فداك ما رأيت أطيب منه ولا أنظف قط ولكني ذكرت الآية التي ذكرت في كتاب الله عزوجل (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فقال أبو جعفر : «لا إنما يسألكم عمّا أنتم عليه من الحق»(١).
الحديث الخامس : ابن بابويه قال : حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال : حدّثنا محمد بن يحيى الصولي قال : حدّثنا أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل بسر من رأى (٢) سنة خمس وثمانين قال : حدثني إبراهيم بن العباس الصّولي الكاتب بالأهواز سنة سبع وعشرين ومائتين قال : كنا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا عليهالسلام فقال : «ليس في الدنيا نعيم حقيقي فقال له بعض الفقهاء ممن بحضرته قول الله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد فقال له الرضا عليهالسلام وعلا صوته : كذا فسرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب ، فقالت طائفة : هو البارد من الماء وقال غيرهم : هو الطعام الطيّب ، وقال آخرون : هو النوم الطيب ولقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله عليهالسلام أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قوله تعالى : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فغضب وقال : إن الله تعالى لا يسأل عباده عمّا تفضل عليهم به ولا يمنن بذلك عليهم والامتنان مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلى الخالق عزوجل ما لا يرضى به للمخلوقين؟! ولكن النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة لأن العبد إذا وفّى بذلك أداه إلى نعيم الجنة الذي لا يزول ولقد حدثني بذلك أبي عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه عليهالسلام أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يا علي إنّ أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك ولي المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك فمن أقرّ بذلك وكان معتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له» فقال لي أبو ذكوان بعد أن حدثني بهذا الحديث متبدئا من غير سؤال : حدثتك به لجهات : منها لقصدك لي من البصرة ، ومنها أن عمّك أفادنيه ، ومنها أني كنت مشغولا باللغة والأشعار ولا أعوّل على غيرهما فرأيت النبي صلىاللهعليهوآله في النوم والناس يسلّمون عليه ويجيبهم فسلمت فما ردّ فقلت أنا من أمتك يا رسول الله فقال لي : «بلى ولكن من حدث الناس بحديث النعيم الذي سمعته من إبراهيم».
قال الصّولي وهذا حديث قد رواه الناس عن النبي صلىاللهعليهوآله إلّا أنه ليس فيه ذكر النعيم والآية وتفسيرها ، إنما رووا أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الشهادة والنبوة وموالاة علي بن أبي
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٢٨٠ ح ٥.
(٢) في المصدر : بيراف.