العلم ، أو الاعتقاد ، أو الظن ، داعيا له إلى ذلك الفعل) (١) فيسمى هذا العلم ، أو الاعتقاد ، أو الظن بالداعي ، لأجل هذه المناسبة. وقد يسمى الداعي : بالغرض. والفرق : هو أن الغرض : اسم لتلك المنفعة المعلومة ، أو المظنونة. وأما الداعي : فهو ذلك العلم أو الظن. والحكماء يسمونه : بالعلّة الغائية. وقد يسمونه أيضا : بالعلة التامة.
البحث الثاني : إنه إذا دعاه الداعي إلى الفعل حصل الفعل لا محالة. ثم هاهنا احتمالات. أحدها : أن المؤثر في حصول الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي. وثانيها : أن المؤثر فيه هو القدرة بشرط الداعي. وثالثها : أن الداعي علّة تامة ، تصير قدرة القادر علّة تامة لحصول الفعل. ولهذا يقال : العلة الغائية علة تامة لعلة العلة الفاعلية. ورابعها : إن حصول القدرة ، والداعي سبب لحصول الاستعداد التام ، لخروم ذلك الفعل من العدم إلى الوجود. فأما نفس ذلك الحصول والحدوث ، فمن الأسباب العلوية. فهذه الاحتمالات الأربعة لا بد من بيانها :
ونقول : الأقرب أن يقال : المؤثر في الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي. والدليل عليه : أن القدرة وحدها غير صالحة للتأثير ـ على ما سيجيء بيانه ، عند تقرير أنه عند عدم الداعي يمتنع الفعل ـ ومعلوم أيضا : أن الداعي وحده غير صالح للتأثير. وأما عند اجتماعهما ، فإنه يحصل الأثر. فعلمنا أن المؤثر هو المجموع. فإن قالوا : قولكم القدرة وحدها غير صالحة للتأثير ، قول (باطل لأن القدرة عبارة عما يكون له صلاحية التأثير ، فقولكم : القدرة وحدها غير صالحة للتأثير قول) (٢) بأن القدرة ليست مؤثرة. وهذا متناقض والجواب : إنا نعني بالقدرة كون الأعضاء بحالة متى انضم الداعي إليها حصل الفعل. وإذا كان المراد بالقدرة ذلك. فقد زال السؤال. فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : المؤثر هو القدرة (إلا أن انضمام الداعي إليها شرط لصدور ذلك الأثر
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).