أكمل الوجوه ، حاصل مع أن العلم بتلك التفاصيل والأحوال غير حاصل. فيثبت بهذا أن صنعة الفعل المحكم المتقن ، لا تتوقف على كون فاعله عالما. بل قد ذكرنا : أن استحضار العلم بكل واحد من تلك الحروف والأشكال ربما منع ذلك الفاعل من الإتيان بذلك العمل على وجه الكمال والتمام.
والوجه الرابع : هو أن الفلاسفة القائلين بالموجب أضافوا تكوّن أبدان الحيوانات إلى تأثير الطبيعة ، واقتضاء القوة المصورة ، مع أن الطبيعة ليس لها شعور وإدراك البتة ، فإذا قيل لهم : كيف يعقل إسناد هذه الأفعال العجيبة ، والآثار المحكمة المتقنة إلى قوة ليس لها شعور ولا إدراك؟ أجابوا بأن قالوا : إن هذا غير مستبعد في العقول ، وذلك لأن الفاعل إذا صار ماهرا في صنعته كاملا في حرفته ، وأراد العقلاء مدحه بأنه صار كاملا في تلك الحرفة قالوا : إن هذه الحرفة صارت كالأمر الطبيعي له. فهذا (إقرار من العقلاء بأن كمال حد القادر الصانع أن نقيسه في كيفية أفعاله بالطبيعة. وهذا (١) يدل على إقرار العقلاء بأن أفعال (٢) الطبيعة أكمل وأفضل من أفعال الصناعة.
الوجه الخامس : وهو أن الأحياز متساوية والأوقات متساوية. ثم إن المتكلمين قالوا : إنه اختص حدوث العالم بوقت معين دون سائر الأوقات ، واختص حصول ذات العالم بحيز معين دون سائر الأحياز ، فلما قيل لهم : ولم اختص حدوث العالم بذلك الوقت دون سائر الأوقات؟ ولم حصل العالم في ذلك الحيز دون سائر الأحياز؟ مع أن الأوقات بأسرها متماثلة ، ومع أن الأحياز بأسرها متماثلة. أجابوا عنه بوجهين :
الأول : إنه لو حصل حدوث العالم في وقت آخر (غير) (٣) هذا الوقت ، لكان هذا السؤال (المذكور باقيا ، ولو حصل العالم في حيز آخر سوى هذا الحيز
__________________
(١) من (م).
(٢) أفعال (س).
(٣) غير (م).