السؤال الخامس : إنا كما رأينا في هذا العالم أفعالا محكمة متقنة منسقة منظمة وأنها توهم كون مدبر هذا العالم عالما حكيما ، فقد نرى هذا العالم أيضا مملوءا من الآفات والمخافات والتشويهات في الخلقة والأحوال المنفرة مثل العمى والزمانة والفقر الشديد.
(ونرى الإنسان الكامل في العلم والعمل محروما عن الخيرات الدنيوية ، ذليلا مهينا ، تحت تصرف الجهال والأراذل) (١) ونرى أخسّ الخلق مثل أرذل الصبيان والنسوان (يحصل لهم الاستيلاء على أهل الدنيا والاستعلاء (٢) على الخلق وهذه الأحوال غير لائقة بالرحيم العليم الحكيم ، وتقريره) (٣) إنه تعالى إما أن يقال : إنه خلق هذا العالم لرعاية حكمة ومصلحة ، أو خلقه لمحض القدرة من غير رعاية الحكمة والمصلحة. فإن كان الحق هو الثاني فحينئذ هذه الوجوه الحاصلة من المصالح ما قصد الفاعل خلق العالم لأجلها ، بل اتفق أنه خصص هذا القسم بالإيجاد والتكوين دون سائر الوجوه من غير أن كان كونها مصلحة ، علة لرجحان هذا القسم على سائر الأقسام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلم لا يجوز أن يقال : مجرد القدرة كافي في إخراج هذه الأشياء من العدم إلى الوجود؟ وأما إذا قلنا : إنه تعالى خلق هذا العالم لأجل الرحمة والحكمة وإفاضة المنفعة. فنقول : لو كان الأمر كذلك لما خلق فيها أنواع الآفات والمخافات. وحيث حصلت هذه الأشياء ، علمنا أنها إنما حصلت إما لعدم العلم ، وإما لعدم القدرة.
وأجيب عن هذا السؤال. فقيل : الإحكام والإتقان يدل على علم (٤) الفاعل ، لأن الجاهل يمتنع أن يصدر عنه الفعل المحكم المتقن. أما الأفعال الفاسدة الخسيسة فإنها لا تدل على جهل الفاعل لأن العالم يمكنه أن يأتي بالأفعال الفاسدة الخسيسة. فعلم أنه ليس المقصود من السؤال المذكور ما توهمه هذا
__________________
(١) من (م).
(٢) الاستعلاء (س).
(٣) من (م ، س).
(٤) حكمه (س).