المجيب ، بل المقصود أنه كما قضى ظاهر العقل بأن الفعل المحكم المتقن لا يصدر إلا من العالم ، قضى ظاهر العقل بأن من كان موصوفا بالقدرة وبالعلم وبالرحمة. فإنه لا يسلط على الضعفاء أنواع الآلام والأوجاع ، ولا يسلط القوي الظالم على الضعيف المظلوم. وحيث شاهدنا هذه الأحوال في العالم لزم القدح في أحد هذه الصفات الثلاثة. فإن جاز لكم أن تثبتوا كمال القدرة والرحمة مع أن العقل يفضي بأن حصول (هذه الصفات الثلاثة يمنع من إيصال المضار والآلام إلى الضعفاء فلا يجوز لغيركم أن يقول بأن يحصل) (١) هذا القدر من الإحكام والإتقان في أجزاء العالم ، من غير أن يكون الفاعل عالما ، بل يكفي فيه كونه ظانا.
السؤال الخامس : إن القول بالإحكام والإتقان على مذهب أبي الحسن الأشعري غير معقول. وبيانه ، أن عنده البنية (٢) ليست شرطا لحصول الحياة (٣) ولسائر الصفات المشروطة بالحياة كالعلم والقدرة والسمع والبصر. فإن مذهبه : أن الجوهر الفرد لا يمتنع اتصافه بالحياة وبالعلم وبالقدرة حتى يكون ذلك الجوهر الفرد أفضل خلق الله في العلم وأقواهم في القدرة وفي سائر الكمالات من السمع والبصر. واحتج على صحة مذهبه : بأن هذه البنية (٤) مؤلفة من الأجزاء. فإما أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء قابلا للحياة وللعلم وللقدرة مشروطا بكون الآخر كذلك. وإما أن تحصل هذه الحاجة من أحد الجانبين دون الثاني. وإما أن يكون كل واحد منها غنيا عن الآخر في هذه القابلية. والأول يوجب الدور ، والثاني يوجب امتياز أحد المثلين عن الآخر بحكم لازم ، ولما بطل هذان القسمان ، ثبت الثالث وإذا ثبت هذا ثبت أنه يصح في كل واحد من هذه الأجزاء التي لا تتجزأ أن يكون موصوفا بالحياة والعلم والقدرة (والسمع والبصر فإذا قيل له : إنا نرى أنه متى اختلت (هذه البنية
__________________
(١) من (م).
(٢) أن عنده الثلاثة (م).
(٣) الحياة (س).
(٤) الستة (م).