قائم بنفسه مجرد عن الجسمية ، وكل من كان كذلك فإنه يجب أن يكون عالما بذاته. أما المقدمة الأولى فقد سبق إثباتها. وأما المقدمة الثانية. وهي أن كل من كان قائما بنفسه غنيا عن المادة فإنه لا بد وأن يعلم نفسه. فالدليل على صحتها. وجهان :
الوجه الأول : إنه قد ثبت أنه لا معنى للعلم إلا حضور (١) ماهية المعلوم عند العالم ، فإذا حضرت ماهية مجردة عند ماهية مجردة صارت الماهية القائمة بنفسها عالمة بذلك الشيء. إذا ثبت هذا فنقول : الشيء إذا كان قائما بنفسه لم تكن حقيقة وجوده حاصلة لغيره ، بل كانت حقيقته حاصلة لنفسه. فإذا كان حصول ماهية مجردة لماهية أخرى مجردة يقتضي كون ذلك الموجود القائم بنفسه عالما ، فههنا لما حصلت حقيقة ذلك الشيء بنفسها ، وجب كون ذلك الشيء عالما بنفسه. وذلك هو المطلوب.
الوجه الثاني : إنه لا شك في أن الواحد منا يعلم نفسه ، وقد بينا (٢) أن العلم عبارة عن حضور ماهية المعلوم في العالم. فإذا علمنا أنفسنا ، فإما أن يكون ذلك لأجل أن صورة متساوية أنفسنا ، حضرت عند نفسنا. أو لأجل أن نفس نفسنا حضرت عند نفسنا ، والأول باطل ، لأنه يلزم اجتماع المثلين ، ولأنه ليست إحداهما بالمختلفة ، والثانية بالحالة أولى من العكس. ولما بطل هذا القسم ، ثبت أن علمنا بنفسنا ليس إلا حضور نفسنا عند نفسنا ، وإذا كان كذلك وجب في كل شيء حضرت نفسه عند نفسه أن يكون عالما بنفسه.
وواجب الوجود كذلك ، فيجب أن يكون عالما بنفسه.
ولقائل أن يقول : الكلام على هذه الحجة (٣) من وجوه : الأول : إن هذا بناء على أن العلم بالشيء عبارة عن حضور ماهيته في ذات العالم ، وقد دللنا بالبراهين القاطعة على فساد هذا الأصل.
__________________
(١) حصول (س).
(٢) بينا (س) ثبت (م).
(٣) هذه من وجوه (م).