معنى العالمية (١) ، إلا أنا نقول الشيء الذي حضرت عند شيء آخر حقيقة مخصوصة. وهذا الذي يقولون إنه حضر عنه نفسه حقيقة أخرى ، ولا يلزم من ثبوت حكم في حقيقة ثبوت مثل ذلك الحكم في حقيقة مخالفة للحقيقة الأولى ، فهذا هو الكلام على الوجه الأول. وأما الوجه الثاني. فهو أيضا بناء على أن إدراك الشيء عبارة عن حضور صورة المعلوم عند العالم. وقد أبطلناه. ثم نقول : لو سلمنا ذلك إلا أنا نقول : هب أن حضور نفسنا عند نفسنا يوجب كوننا عالمين بنفسنا. فلم قلتم : إن حضور ذات الله تعالى عند ذاته يوجب كونه عالما بنفسه؟ وذلك محال (٢) ذلك لأن نفوسنا مخالفة بالماهية لذاته ، ولا يلزم من حصول حكم في شيء ، حصول مثل ذلك الحكم فيما يخالفه. والله أعلم.
الأصل الثاني (٣) : سلمنا أنه تعالى عالم بذاته المخصوصة. فلم قلتم : إنه يلزم أن يكون عالما بسائر الأشياء؟ وقد احتجوا عليه بأنه تعالى علة لما سواه لذاته. فإذا علم ذات نفسه ، وجب أن يعلم كونها علة لما عداه. وإذا علم ذلك فقد علم ما عداه. لأن من المحال أن يعلم كونه علة لما عداه. مع أنه لا يعلم ما عداه. فيثبت أنه يلزم من علمه بذاته المخصوصة علمه بمعلوله (٤) القريب ، ثم يلزم من علمه بمعلوله الأول علمه بمعلوله الثاني. لأن المعلول الثاني معلول أول ، للمعلول الأول. وهكذا يلزم من علمه بالمعلول الثاني علمه بالمعلول الأول على الترتيب النازل من عنده طولا وعرضا.
واعلم أن هذا الاستدلال إنما يتم على مذهب من يقول : إنه تعالى موجب بالذات لوجود هذه الممكنات. أما من يقول : إنه تعالى فاعل مختار. فإن هذه الحجة لا تتمشى على قوله. ثم نقول : إنا إذا قلنا إن الألف علة للباء. فإما أن يكون نفس كونه ألفا ، هو نفس كونه علة للباء. وإما أن يكون
__________________
(١) القابلية (س).
(٢) بنفسه ذلك لأن نفوسنا (م ، س).
(٣) في النسخ : الفصل الثاني.
(٤) بمعلومة (م).