والعلم بكونه عالما ، بكذا (حكم على ذاته بكونه عالما بكذا) (١) وكل تصديق فإنه مسبوق بتصور طرفيه ، فالعالم بغيره يمكنه أن يعلم ذاته ، ومتى ثبت الإمكان فقد نفي (٢) الوجوب بالدليل المتقدم ، فيثبت أنه تعالى عالم بكل ما سواه (٣) ، وأنه عالم بذاته المخصوصة. هذا تلخيص هذا الكلام على أحسن الوجوه ، وهو المراد من قول الشيخ الرئيس في كتاب الإشارات في النمط الثالث في النفس الأرضية (٤) : «كل من يعقل شيئا ، فإنه يمكنه أن يعقل بالقوة القريبة من الفعل إلى آخر هذا الفصل.
ولقائل أن يقول : الاعتراض على هذا الكلام من وجوه :
السؤال الأول : لا نسلم أنه يمكننا أن نعقل ذات الله فضلا عن أن يقال إنه يمكننا أن نعقل ذاته مع تعقل سائر الذوات. وتقرير هذا الكلام : هو أن مذهب الحكماء : أن كنه ذات الله غير معقول للبشر. وإنما المعلوم عند الخلق من الله تعالى الصفات السلبية والصفات الإضافية. فأما الذات المخصوصة من حيث هي هي فغير معلومة للخلق. وإذا ثبت أن تلك الذات المخصوصة غير معلومة البتة ، كان القول بأنه يصح العلم بها حال حصول العلم بغيرها : خطأ (٥).
__________________
(١) من (س).
(٢) نفى (م).
(٣) ما يقوله (م).
(٤) نص عبارة ابن سينا : «إنك تعلم أن كل شيء يعقل شيئا ، فإنه يعقل بالقوة القريبة من الفعل أن يعقل ، وذلك عقل منه لذاته ، فكل ما يعقل شيئا فله أن يعقل ذاته. وكل ما يعقل فمن شأنه ماهية أن تقارن معقولا آخر ، ولذلك يعمل أيضا مع غيره. وإنما تعقله القوة العاقلة بالمقارنة لا محالة. فإن كان مما يقوم بذاته ، فلا مانع له من حقيقته. أن يقارن المعنى المعقول. اللهم إلا أن تكون ذاته ممنوة في الوجود بمقارنة أمور مانعة من ذلك ، من مادة أو شيء آخر إن كان. فإن كانت حقيقته مسلمة لم يمتنع عليها مقارنة الصورة العقلية إياها فكان لها ذلك بالإمكان. وفي ضمن ذلك إمكان عقله لذاته» (فصل ١٧ نمط ٣).
(٥) العمل (م).