السؤال الثاني : سلمنا أنه يصح أن تصير ذات الله تعالى معلومة. فلم قلتم : إنه يصح العلم بها ، مع العلم بغيرها؟ وتقريره : أنا نجد من أنفسنا وجدانا ضروريا ، أنا متى وجهنا الذهن نحو استحضار معلوم فإنه لا يمكننا في ذات الوقت توجيه الذهن نحو استحضار معلوم آخر. والعلم بذلك (ضروري. ولذلك فإن من كان مشتغل الفكر في مسألة منطقية فإنه في تلك) (١) اللحظة لا يمكنه توجيه الذهن نحو مسألة هندسية. والعلم بذلك ضروري. وهذا يدل على أن الجمع بين علمين في الذهن دفعة واحدة محال ، أو نقول إنه وإن كان ذلك ممكنا (٢) في الجملة ، إلا أنه هاهنا غير ممكن ، لأنه ثبت بالاستقرار : أن القوى الحاسة حال شعورها بالمحسوسات القوية ، لا يمكنها الشعور بالمحسوسات الضعيفة. فالسراج إذا وضع في مقابلة قرص الشمس لا نحس بذلك السراج ، والبعوضة إذا طنت عند ظهور الرعد لا نحس بطنين البعوضة ، فكذلك هاهنا ذات الله تعالى أعظم الموجودات. وعليه فإنه أعلم المعارف ، وعند حضور عرفانه في العقل ، يمتنع حضور عرفان غيره. فلم قلتم : إن الأمر ليس كذلك؟ فإن قالوا : إنا إذا عرفنا أن هذا العالم مفتقر في وجوده إلى إيجاد واجب الوجود. فهذا علم بإضافة مخصوصة بين العالم وبين واجب الوجود ، والعلم بإضافة أمر إلى أمر مشروط بالعلم بالمضامين ، فحال حصول العلم بهذه الإضافة وجب أن يكون العلم بالعلم ، والعلم بواجب الوجود حاضرا. وذلك يقتضي (٣) جواز حصول العلم بواجب الوجود مع العلم بغيره. فنقول : هذا مغالطة محضة ، وذلك لأن العلم بكونه واجب الوجود علم بصفة من صفاته ، وليس هذا علما بذاته المخصوصة ، وإذا كان الأمر كذلك لم يلزم من علمنا بمعنى كونه واجب الوجود ، علمنا بذاته المخصوصة. فزال هذا السؤال.
السؤال الثالث : هب أنه يصح منا أن نجمع بين العلم بذات الله تعالى
__________________
(١) من (م).
(٢) ممكنا (س).
(٣) نقيض (م).