أيضا نحترز عنه. واليهودي لما اعتقد أن إقدامه على العبادات التي (يأتي) (١) بها توصله إلى الثواب العظيم ، صار ذلك الاعتقاد حاملا له على العمل. والمسلم لما اعتقد في تلك الأفعال بأعيانها أن الإقدام عليها يوصله إلى الضرر العظيم ، صار ذلك الاعتقاد صارفا له عنها. فيثبت أن الاستقرار يدل على أن الظن أو الاعتقاد يقومان مقام العلم في الدعاء إلى الفعل تارة ، وفي الصرف عنه أخرى.
المبحث الرابع : في أن أي هذه الثلاثة أقوى. وأيها أضعف؟ ونعين أولا حال العلم مع الاعتقاد (فنقول : المعتقد في الشيء قد يكون جازما بكونه محقا في ذلك الاعتقاد) (٢) وقد لا يكون كذلك. أما القسم الأول وهو ما إذا اعتقدنا اعتقادا جازما بأن الأمر كما اعتقده ، فهذا الاعتقاد يساوي العلم في كونه داعيا وصارفا. والدليل عليه : أن هذا الرجل إذا كان لا يجد في قلبه تفاوتا بين هذا الاعتقاد الجازم ، وبين العلم في قوة الجزم والثبات ، وجب أن يكون تأثيره في الدعاء إلى الفعل تأثيرا واحدا. فإن قالوا : أليس أن هذا المعتقد إذا شكك نفسه أمكنه ذلك. وأما العالم فإنه ليس كذلك. وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يصح القول بكونهما متساويين في قوة الدعاء إلى الفعل؟
والجواب : إن الأمر وإن كان كما ذكرتم إلا أنه ما دامت نفسه باقية على ذلك الجزم المساوي لما في العلم من الجزم ، وجب أن تكون الحال واحدة في قوة الدعاء إلى الفعل.
ولمن زعم أن العلم أقوى في الدعاء إلى الفعل من الاعتقاد ، أن يقول : هذا الاعتقاد إما أن يكون بحيث لو شكك صاحبه نفسه فيه أمكنه التشكيك فيه ، أو لا يكون كذلك. فإن كان الأول فحينئذ حصل التفاوت بين العلم وبين هذا الاعتقاد في القوة ، فوجب أن يحصل التفاوت في الدعاء إلى الفعل ، لأن من المعلوم بالضرورة : أن المؤثر كلما كان أقوى ، كان التأثير أقوى ، وإن
__________________
(١) يتأتى (س).
(٢) من (م).