كان الثاني فحينئذ لا يبقى بين هذا الاعتقاد وبين العلم تفاوت في القوة ، وذلك معلوم البطلان بالضرورة ، لأن من المعلوم بالضرورة. أن سكون النفس إلى العلم الحق ، أيمن من سكونها إلى الاعتقاد الخالي عن الموجب
وأما القسم الثاني : وهو المعتقد الذي لا يكون جازما ، بل يكون كالمضطرب في ذلك الاعتقاد ، فنقول : إن مثل هذا الاعتقاد لا يكون مساويا للعلم في الدعاء إلى الفعل ، بل يكون أضعف منه. وتقريره : أن الأثر فرع على المؤثر. ولما كان أحد المؤثرين أضعف من الآخر ، كان أثر الضعيف أضعف لا محالة من أثر القوي ، فكان دعاء الاعتقاد الضعيف إلى الفعل أضعف من دعاء العلم القوي إليه. وأيضا : فالعالم الجازم بكون الفعل مشتملا على النفع الزائد لا يخاف فيما يعلمه أن يتغير ، وأما المعتقد المضطرب فإنه لا بد وأن يجوز أن ينكشف أن الأمر بخلاف ما اعتقده. فحينئذ لا بد وأن يضعف ذلك الاقتضاء.
وأعلم : (أنا ربما وجدنا المبطل أو المقلد مقدم على الفعل إقداما أقوى من إقدام العالم وذلك لا يقدح في قولنا) (١) : إن اقتضاء العلم أقوى اقتضاء من الاعتقاد ، وذلك لأن تلك القوة إنما حصلت لأمور أخرى تقارن ذلك الاعتقاد ، ولو لم يحصل إلا ذلك الاعتقاد لما حصلت تلك المزية.
وتلك الأمور المقارنة بذلك الإقدام أشياء : (أحدها : مدح الناس له في نصرة ذلك القول أو في الإقدام على ذلك العمل. وثانيها : أنه ربما توصل بذلك الإقدام) (٢) إلى جر أنواع من المنافع العاجلة أو يتخلص بسبب ذلك الفعل من أنواع كثيرة من الذم.
وثالثها : أن طول الإلف والعادة قد يحمله على ذلك العمل. فهذا هو الكلام في المقايسة الحاصلة بين العلم وبين الاعتقاد.
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (ت).