وأما المقايسة الحاصلة بين العلم والظن. فنقول : إن الظن إذا صحب إمارته فإنه يقوم مقام العلم في كونه داعيا إلى الفعل ، إلا أن دعاء العلم يكون أقوى. والدليل عليه : أن الظان يجوز أن يكون الأمر بخلاف ما ظنه ومع قيام هذا التجويز يمتنع كون الظن مساويا للعلم في الدعاء إلى الفعل. وأيضا : فإنا نجد العالم باشتمال الفعل على الضرر مصرا على الاحتراز. وأما الظان فقد تختلف أحواله في كيفية ذلك الاحتراز.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول : إن مراتب الظن مختلفة في القوة والضعف ، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن تكون مراتب تأثيراتها في الدعاء إلى الفعل مختلفة في القوة والضعف. بيان المقدمة الأولى : أن الظن الحاصل بخبر أقوام كثيرين ، أقوى من الظن الحاصل بخبر إنسان واحد. وأيضا رؤية الأمارات أقوى في إفادة الظن ، مما إذا اعتقد وجود تلك الإمارات بأخبار مخبر (واحد. ومثاله : إذا شاهد نارا بالقرب من داره ، فهذا أيضا يقتضي ظن الحرق. وإذا أخبره مخبر بوقوع نار بالقرب من داره ، فهذا أيضا يقتضي ظن حصول الحرق إلا أن الظن الأول أقوى ، فيثبت أن مراتب الظنون مختلفة. وإذا ثبت هذا) (١) وجب أن تكون مراتب كونها داعية إلى الفعل مختلفة ، لأنه لما كان المقتضي للدعاء إلى الفعل هو قوة الجزم ، وجب أن تختلف مراتب قوة الدعاء بحسب اختلاف مراتب الظنون في القوة والضعف. وهذا هو الكلام في مقايسة العلم مع الظن.
أما مقايسة الظن مع الاعتقاد. فاعلم أن الظن المؤيد بالآثار قد يكون أقوى من الاعتقاد ، وقد يكون بالضد منه ، والواجب اعتبار مراتب القوة والضعف.
__________________
(١) من (س).