يقتضي أن يكون علمه تعالى بأفعاله سابقا عليها في الوجود ، وذلك يدل على أن العلم بالمعدوم جائز.
الثالث : لا شك أن العلم بالماهيات لا يتوقف على كونها موجودة في أنفسها. فإنا قد نعرف حقائق المعلومات (١) حال كوننا جاهلين بوجودها ، وأيضا : إذا قلنا : الشيء إما أن يكون موجودا أو معدوما ، فقد تصورنا في هذا التقسيم معنى العدم ، وإذا أمكن تصور الماهية قبل وجودها وأمكن تصور العدم أيضا ، وجب أن يكون تصور الماهيات المعدومة أيضا : ممكنا.
الرابع : وهو أن الواحد منّا ، إذا أراد أن يفعل فعلا. مثل بناء دار ، أو خياطة قميص، فإنه يتصور ذلك العمل أولا ، ثم يدخله في الوجود ثانيا. وذلك يدل على أن المعدوم يصح أن يكون معلوما ، وإذا ثبت أن المعدومات يصح أن تكون معلومة فنقول : المقتضى لحصول العالمية هو ذاته المخصوصة. فلم تكن تلك الذات باقتضاء العالمية (ببعض ما يصح ، أولى منها باقتضاء العالمية) (٢) بالبواقي. فإما أن لا يوجب شيئا منها ، وهو باطل. وإما أن يوجب العلم بكل ما يصح أن يكون معلوما وذلك هو المطلوب.
واحتج المخالف بأشياء :
الحجة الأولى : قالوا : لو كان الله تعالى عالما بهذه الجزئيات قبل وقوعها لبطلت الربوبية ولبطلت العبودية. أما بطلان الربوبية ، فلأن الذي علم وقوعه يكون واجب الوقوع. وما كان واجب الوقوع امتنع كون القادر قادرا عليه ، فوجب أن لا يقدر الله على شيء. وذلك يقدح في الربوبية وأما بطلان العبودية فلأن غير ما ذكرناه يقتضي أن لا يقدر العبد على شيء البتة ، وذلك يمنع من كونه قادرا على العبودية. وأيضا : فإنا نجد بالضرورة من أنفسنا أنا إن شئنا الفعل قدرنا عليه ، وإن شئنا الترك قدرنا عليه ، فالقول بأنه لا قدرة لنا على الفعل والترك مكابرة في المحسوسات والقول بأنه تعالى عالم بالجزئيات قبل دخولها
__________________
(١) المضلعات (م).
(٢) من (س).