والثاني : إن الفاعل إذا فعل لأجل غرض. فذلك الغرض إنما يحصل في آخر ذلك الفعل. مثاله : أن من يبني بيتا لدفع الحرّ والبرد ، فهذا المقصود إنما يحصل بعد دخول البيت، بكماله في الوجود. ولهذا قيل : إن أول الفكر آخر العمل. إذا ثبت هذا فنقول : كون الفاعل فاعلا لذلك الفعل متقدم على دخول ذلك الغرض في الوجود. والمتقدم على الشيء يمتنع كونه معللا بالمتأخر.
الثالث : إن حصول ذلك الغرض معلل بكون الفاعل فاعلا لذلك الشيء الذي هو السبب لحصول ذلك النفع ، فلو كان ذلك الغرض علة لتلك الفاعلية لزم الدور ، وهو محال.
فيثبت بهذه الوجوه : أن كون الفعل منفعة وحسنا ، ليس علّة لكون الفاعل فاعلا له البتة. وإنما المؤثر في الفاعلية هو علم الفاعل باشتمال ذلك الفعل على ذلك الوجه من الحسن والمنفعة.
النوع الثاني من الأشياء التي يظن أنها داعية إلى الفعل وصارفة عنه : إنه يقال : إن وعد الله يحمل على الفعل ويدعو إليه ، ووعيده يزجر عن الفعل ويصرف عنه.
وهذا أيضا مجاز. بل الحق : أن الداعي إلى الفعل هو علم بما في ذلك الوعد من المنافع والصارف له عن الفعل هو علم بما في ذلك الوعيد من المضار.
النوع الثالث : الشك. فإنه يظن أنه إذا بقي الإنسان شاكا في الشيء فإن كونه شاكا يدعوه إلى البحث والطلب ، فصار كونه شاكا داعيا له إلى الفعل.
والجواب : إن الشاك في الشيء متردد فيه على التسوية والإقدام على الفعل ترجيح لجانب الفعل والاستواء يناقض الترجيح. وأحد الضدين لا يكون سببا للضد الثاني. أما قوله: إن كونه شاكا قد يحمله على الطلب. قلنا : الداعي هناك إلى الطلب هو العلم والاعتقاد ، وذلك لأنه إذا لم يعلم حال