الشيء جوز فيه كونه سببا للضرر ، والعلم حاصل بأنه لا يمكنه دفع هذا الضرر المحتمل ، إلا بأن يعرف حال ذلك الشيء. فهذا الإنسان عالم بأن تحصيل العلم بحال تلك الواقعة يفيده الاحتراز عن ذلك الضرر المحتمل. وهذا نفع عظيم. فالعلم باشتمال ذلك الطلب على هذا النفع هو الذي صار حاملا له على هذا الطلب.
النوع الرابع : الرؤية والسماع. وذلك لأنا إذا رأينا شيئا ، أو سمعنا صوتا ، فقد تصير رؤية ذلك الشيء حاملة لنا على فعل ، أو على ترك. وكذا القول في السماع ، وهذا يوهم أن للرؤية والسماع أثر في الدعاء إلى الفعل أو في الصرف عن الفعل.
والجواب : إنا إذا رأينا الشيء فإنه يحصل العلم بحاله ، فإذا علمنا من حال كونه نفعا زائدا ، دعانا ذلك العلم إلى الفعل ، وإن علمنا من حاله كونه ضررا زائدا ، صرفنا ذلك العلم عن الفعل. فالرؤية والسماع. إنما صارتا داعيتين إلى الفعل تارة (وصارفتين عنه بواسطة إفادة العلم والاعتقاد).
النوع الخامس : أن الإرادة داعية إلى الفعل (١) والكراهية صارفة عنه ، وكذلك الشهوة داعية إلى الفعل ، والنفرة صارفة عنه.
والجواب : من الناس من زعم أنه لا معنى للإرادة إلا العلم باشتمال الفعل على (النفع الزائد ، ولا معنى للكراهية إلا العلم باشتمال الفعل على (٢)) الضرر الزائد. ومنهم من سلم كون الإرادة والكراهية مغايرتين لهذين العملين ، إلا أنه زعم أن عند حصول العلم بكون الفعل مشتملا على النفع الزائد يحصل الميل إلى الفعل ، وإرادة تحصيل ذلك الشيء. وعند العلم باشتمال ذلك الفعل على مضرة راجحة تحصل النفرة والكراهية. فالعلم بكونه نافعا يوجب حصول الميل ، والعلم بكونه ضارا يوجب حصول النفرة عنه. وعلى هذا التقدير فالداعي والصارف في الحقيقة هو هذا العلم. وأما الكراهية
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (ت).