أن علمه بما في الفعل من المصلحة يدعوه إليه ، أو المراد أن علمه بأن الشيء الفلاني نفع يدعوه إلى (الفعل ، وأن الشيء الفلاني لا نفع فيه يدعوه إلى) (١) الترك. والأول باطل ، لأن كل دليل دلّ على أنه لا يجوز تعليل أفعال الله تعالى بالعلل والأغراض ، فإنه يدل على بطلان هذا القسم.
وأما القسم الثاني فهو أيضا باطل. لأن العلم بالوقوع تبع للوقوع ، الذي هو تبع لهذا التخصيص ، فلو عللنا هذا التخصيص بالعلم بالوقوع. لزم الدور وأنه محال ، فيثبت أن هذا التخصيص غير واقع بسبب القدرة ، ولا بسبب العلم ، فلا بد من صفة أخرى مقتضية لهذا التخصيص والترجيح ، وظاهر أن الحياة والسمع والبصر والكلام لا يصلح لذلك. فلا بد من صفة أخرى سوى هذه الصفات.
ثم تأثيرها في التخصيص إن كان على سبيل الوجوب كان المؤثر موجبا بالذات ، وإن كان على سبيل الصفة فهو المطلوب ، لأن هذه الصفة صفة تقتضي ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا على سبيل الإيجاب ، ولا على سبيل التكوين. وذلك هو المطلوب. وهذا تقرير هذا الدليل على أحسن الوجوه.
ولقائل أن يقول : قد بينا أن المؤثر الذي يؤثر لا على سبيل الإيجاب ولا على سبيل التكوين محال في العقول ، فلا فائدة في الإعادة. فما ذكرناه برهان قاطع في مقابلة ما ذكرتم. ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون المؤثر في ذلك التخصيص هو القدرة؟ قوله : لأن القدرة نسبتها إلى الإيجاد (٢) في جميع الأوقات على السوية. قلنا : إما أن نقول : الإرادة صالحة (لترجيح هذا الفعل بوقت آخر ، كما أنها صالحة لترجيحه بهذا الوقت. وإما أن يقولوا : إنها صالحة) (٣) لتخصيص العالم بذلك الوقت ، مع أنه يمتنع تعلقها بتخصيص
__________________
(١) من (س).
(٢) الإيجاب (م).
(٣) من (م).