الأول : أن الإنسان إذا تكلم من وراء الجدار ، فإنا قد نسمع كلامه بالتمام والكمال، ومن المحال أن يتأدى ذلك التموج إلينا بكماله وتمامه. لأن الجدار الحائل بين القائل وبين السامع عائق عن ذلك وليس لهم أن يقولوا : إنه حصل في الجدار مسام ومنافذ وثقب. فلا يمتنع (تأدي) (١) ذلك الهواء المتموج في تلك الثقب والمنافذ إلى سطح الصماخ. قالوا : والدليل عليه : أن الإنسان إذا جلس في بيت (مظلم) (٢) ولذلك البيت باب ، وتكلم إنسان خارج ذلك البيت ، فإن كان باب البيت مفتوحا كان السمع أكمل ، وإن كان باب البيت مردودا صار السمع أضعف وأخفى. وذلك يدل على ما قلناه.
فإنا نقول : هذا القدر باطل. وذلك لأن الجدار جسم كثيف فالتموج الحاصل بسبب نطق ذلك المتكلم وكلامه (إذا وصل إلى ذلك الجدار فإنه لا يبقى على صورته وعلى شكله ، فإن الشكل الحاصل في الهواء اللطيف) (٣) ممتنع البقاء عند وصوله إلى الجدار الكثيف ، والذي ينفذ من ذلك الهواء في ثقب الجدار ، وفي مسامه الضيقة ، لا يبقى على ذلك الشكل الذي حدث خارج البيت ، فوجب أن يمتنع سماع ذلك الكلام على شكله ونظمه ، وحيث حصل ، علمنا أن الذي قالوه باطل.
الحجة الثانية : وهو أنا إذا سمعنا الصوت ، فإنا نعلم أنا سمعناه من الجانب الأيمن أو الجانب الأيسر. وهذا يدل على أنا سمعنا الصوت في مكانه الذي حدث فيه. إذ لو قلنا : بأن المسموع ليس إلا القرع الذي حدث في داخل الصماخ فقط ، فإنه يجب أن لا يعرف بحسب القوة السامعة مكان ذلك الصوت وجهته ، كما أن القوة اللامسة لما لم تحس إلا بالكيفية الملموسة حال وصولها إلى العضو فإنها لا تميز بين الجهة التي منها جاءت تلك الكيفية المحسوسة وبين غيرها. فيثبت بهذا أن الإدراك المسمى بالسماع حالة مغايرة لتأثر الصماخ وانفصاله من التموج الواصل إليه.
__________________
(١) من (ت).
(٢) من (س).
(٣) من (م ، س).