الحجة الثالثة : ما ذكرناه في الإبصار وهو أنه لو كانت الحالة المسماة بالسماع عبارة عن هذا التأثر ، وجب أن يقال : كلما كان التأثر أقوى وأمكن (وجب أن يكون السماع أكمل وأقوى) (١) ولما كان الثاني باطلا. كان المقدم باطلا. فيثبت بهذه الوجوه التي أوضحناها ، أن الإبصار حالة زائدة على العلم ، وعلى تأثر العين ، أو أن السماع حالة زائدة على العلم وعلى تأثر الأذن. ولا شك أنها حالة تفيد نوعا من الانكشاف والتجلي ، أكمل وأقوى من الحالة المسماة بالعلم.
البحث الثاني : في أنه هل دل الدليل على إثبات هذا النوع من التجلي والانكشاف لله تعالى؟
اعلم. أنا وإن دللنا على أن هذه الحالة مغايرة لتأثر العين والأذن ، إلا أنا متوفقون في مقام آخر ، فإنه من المحتمل أن يكون حصول هذه الحالة مشروطا بحصول هذا التأثر في العين والأذن. والدليل عليه : أنه كلما اختلت هذه الآلات اختلت هذه الإدراكات ، وكلما كانت الآلات سليمة كانت) (٢) الإدراكات سليمة ، فهذا يوهم كونها مشروطة بسلامة هذه الآلات ، ويحتمل أيضا : أن يقال : إن حصول هذا النوع من الإدراكات للنفس البشرية ، وإن كانت مشروطة بسلامة هذه الآلات ، إلا أنه (٣) لا يمتنع حصولها في حق المفارقات (٤) من غير هذه الآلات ، كما أن حصول الوجود لهذه الممكنات مشروط بتأثير المؤثر فيه ، ثم إن الوجود حاصل لواجب الوجود لذاته ، من غير حصول إلى حصول هذا المؤثر.
فهذان الاحتمالان قائمان. وعلى التقدير الأول يكون إثبات هذه الصفة لله محالا.
وعلى التقدير الثاني لا يكون محالا ، فلا جرم وجب التوقف. إلا أن المقدمة المبنية على الأولى والأخلق يقتضي إثباتها لله تعالى. وذلك لأنه سبحانه
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) يمتنع (س) لا يمتنع (م).
(٤) أنظر الأرواح العالية والسافلة.