أكمل الموجودات ، فوجب أن يكون موصوفا بكل صفات ، الكمالات ، ومعلوم أن الحالة المسماة بالإبصار والسماع صفة من صفات الكمال. فإنا بينا أن من علم شيئا ثم رآه ، فإنه يجد في نفسه كأنه انتقل من نقصان إلى كمال ، ومن خفاء إلى جلاء ، فإذا كانت هذه الحالة من صفات الكمال ، وكان عدمها من صفات النقصان ، وكان الحق سبحانه وتعالى منزها عن جميع صفات النقص ، واجب الاتصاف بجميع صفات الكمال ، لزم بمقتضى العقل الأول أن نعتقد كونه تعالى موصوفا به ، منزها عن النقص الحاصل بسبب فقدانه.
البحث الثالث : في الدليل الذي يمنع من كونه تعالى موصوفا به ، وتقريره : أن إبصار الشيء قبل حصوله محال ، وسماع الكلام قبل حصوله محال ، إذا ثبت هذا (نقول : إنهم) (١) قالوا : إن هذا يمنع من كونه تعالى موصوفا به لوجهين :
الأول : إنه تعالى لو كان موصوفا بهذا الإدراك لكانت هذه الصفة متغيرة ، لأنه يكون رائيا للشيء حال وجوده ، وما كان رائيا له قبل وجوده. وكذلك يكون سامعا للصوت حال حصوله (٢) ، ولا يكون سامعا له قبل حصوله ، فيلزم وقوع التغير في صفة الله ، وهو محال ، للدلائل التي ذكرناها في أن وقوع التغير في كل صفات الله محال.
الحجة الثانية : وهي إن إدراك الشيء (مشروط بحصول المدرك في نفسه ، فلو اقتضت ذاته حصول هذا الإدراك ، وثبت أن حصول هذا الإدراك) (٣) موقوف على حصول المدرك في نفسه ، فحينئذ لا تكون ذات الله كافية في اقتضاء هذه الصفة ، بل كان هذا الاقتضاء موقوفا على حال الغير ، فنقول : ذاته موقوفة على تلك الصفة ، وتلك الصفة موقوفة على الغير. والموقوف على الموقوف على الغير موقوف على الغير ، وكل ما كان موقوفا على
__________________
(١) فقالوا (م).
(٢) ولذلك يكون تبليغا للصوت حال حصوله (م).
(٣) من (م).