الغير كان ممكنا لذاته ، فالواجب لذاته ممكن لذاته. هذا خلف. وهذا مجموع ما لخصناه من المباحث العقلية في هذا الباب.
وللمتكلمين وجهين ضعيفين في هذا الباب نذكرهما وننبه على ضعفهما :
فالطريق الأول : وهو الذي عول عليه الأشعرية. قالوا : إنه تعالى حيّ ، وكلّ من كان حيا فإنه يصح عليه السمع والبصر. وكل من صح عليه وصف ، فإنه يجب أن يكون موصوفا بتلك الصفة ، وإن لم يكن موصوفا بها ، فإنه يجب أن يكون موصوفا بضدها ، وضد السمع (الصمم ، وضد) (١) البصر العمى وذلك نقص. والنقص على الله محال ، فوجب كونه موصوفا بالسمع والبصر. هذا تقدير كلام القوم.
ولقائل أن يقول : السؤال عليه من وجوه :
السؤال الأول : ما الذي تريدون بقولكم : إنه تعالى حيّ؟ إن عنيتم به : أنه تعالى لا يمتنع أن يعلم ويقدر. فهذا مسلّم. لكن لم قلتم : إن كل من لا يمتنع أن يعلم ويقدر ، فإنه لا يمتنع أن يسمع ويبصر؟ وهل النزاع وقع إلا فيه؟ وإن عنيتم بكونه حيا معنى سوى ما قلنا إنه لا يمتنع أن يعلم ويقدر. فلا بد من تفسيره ، فإنه محمول التصور ، فضلا عن كونه معلوم التصديق.
السؤال الثاني : إن سلمنا أن كونه حيّا صفة زائدة على سبب (٢) ذلك الامتناع فلم قلتم : إنه لما حصلت الحياة ، وجب أن يحصل هناك صحة أن يسمع ويبصر؟ وبيانه من وجوه :
الأول : أن حياته تعالى مخالفة لحياة الواحد منا ، ولا يلزم من كون حياة الواحد منا مؤثرة في صحة السمع والبصر أن تكون حياته كذلك لما ثبت أن المختلفات في الماهية ، لا يجب (٣) استواؤها في اللوازم والأحكام. ألا ترى أن حياة الواحد منا تقتضي صحة الشهوة والنفرة والألم واللذة والجهل والظن ، مع
__________________
(١) وضد السمع والبصر صمم وعمى (م).
(٢) سلب (س).
(٣) يجب (م).