فوجب وصفه بكونه سميعا بصيرا. وإذا ثبت هذا ظهر أن ذكر هذا الطريق أولى من ذكر الطريق (الطويل) الذي ذكرتموه. وأما الذين عولوا في تقرير هذه المقدمة على الإجماع. فكلامهم ضعيف ، لأن الآيات الدالة على كون الإجماع حجة أضعف دلالة بكثير من الآيات الدالة على كونه سميعا بصيرا.
وأقول : فإن كان الاكتفاء بالمقدمة السمعية (جائزا) (١) فالاكتفاء بتلك الآيات أولى ، لأنها أدل على المقصود ، وأولى من المقدمات. فهذا هو الكلام في هذا الدليل.
(والطريق الثاني. طريق المعتزلة) (٢)
وأما المعتزلة فقالوا : الله تعالى حيّ لا آفة به ، وكل من كان حيا ، لا آفة به ، فإنه يجب أن يكون مدركا للمدركات عند حضورها ينتج أنه تعالى يدركها عند حضورها. أما المقدمة الأولى ، وهي أنه تعالى حيّ لا آفة به ، فقد ثبتت. وأما المقدمة الثانية وهي أن كل من كان حيا لا آفة به ، فإنه يدرك المدركات عند حضورها. فقد احتجوا عليه بأن الواحد منا إذا كان حيا ، وكان سليما عن الآفات فإنه لا بد وأن يدرك. ألا ترى أن الحي إذا كان سليم العين ، وحضر المرئي مع الشرائط فإنه يبصره ، وإذا كان سليم الأذن وحضر المسموع فإنه يسمعه ، وإذا كان سليم الأعضاء ، ووضع الجمر على جسده ، فإنه يحس بتلك الحرارة ، فيثبت بما ذكرنا : أن الحي إذا كان سليما عن الآفة ، فإنه يجب أن يدرك المدركات عند حضورها.
ولقائل أن يقول :
(السؤال الأول) (٣) كون الواحد منا حيّا ، يخالف كون الله تعالى حيا. وأيضا : فذات الواحد مخالفة لذات الله تعالى بالماهية ، ولا يلزم من ثبوت حكم
__________________
(١) من (س).
(٢) زيادة.
(٣) زيادة.