الأصوات بالوضع والاصطلاح على كونه تعالى مريدا ، لما أراد ، وكارها لما كره. وذلك هو الكلام.
وأما الذين فسروا ذلك الطلب بمعنى مغاير للإرادة فهم يحتاجون إلى إثبات مقدمات. أولها : الفرق المعقول بين ذلك الطلب وبين الإرادة.
وثانيها : إقامة الدلالة على كونه تعالى موصوفا بذلك المعنى ، وليس للقوم فيه دليل جيد على ما سيأتي شرحه.
وثالثها : إن (١) القائلين بهذا المعنى زعموا أن هذا الشيء قديم ، وهو بعيد.
ويدل عليه وجوه :
الأول : إنه لا معنى للأمر والنهي إلّا التزام الفعل ، والتزام الترك ، والعلم الضروري حاصل بأنه قبل وجود زيد فإنه يمتنع أن يحصل إلزامه فعلا ، وإلزامه تركا. فإن معنى الإلزام أن نقول : يا زيد ألزمتك هذا الفعل. ويا عمرو ألزمتك هذا الترك. والعلم الضروري حاصل أن عند عدم زيد ، وعدم عمرو ، فإنه يمتنع أن نقول : يا زيد ألزمتك هذا الفعل ، ويا عمرو ألزمتك هذا الترك ، وإن لم يكن هذا العلم ضرورية ، فليس عند العقل شيء من العلوم الضرورية.
والثاني : إنه تعالى أخبر عن أشياء كقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٢) و : (عَصى آدَمُ) (٣) ومعلوم أن المخبر عنه سابق في الوجود على حصول الخبر ، فلو كان هذا الخبر أزليا ، لزم أن يكون الأزلي مسبوقا بغيره ، وهو محال. فإن عارضوا ذلك بالعلم نقول : قد ذكرنا : أن المذهب الصحيح في هذا الباب. هو قول أبي الحسين البصري : وهو أنه يتغير العلم عند تغير المعلوم.
__________________
(١) أنه قديم (م).
(٢) نوح ١.
(٣) طه ١٢١.