الرابع : إن العلم الضروري حاصل بأن المتكلم أكمل وأفضل ممن لم يكن متكلم ، ولا شك أن الواحد منا متكلم. فلو لم يكن الله في الأزل متكلما ، لزم أن يكون حال الواحد منا عند وجوده أفضل وأكمل من الله تعالى ، حين كان في الأزل ، وذلك محال. فيثبت أنه تعالى موصوف بالكلام في الأزل.
ولقائل أن يقول : أما الوجه الأول : فقد تكلمنا عليه في مسألة السمع والبصر ، والذي نريده هاهنا هو أن نقول : لا نسلم أن السكوت نقص ، بل النقص أن يقول القائل : يا زيد صلّ ، ويا عمرو صم. مع أن زيدا وعمروا يكونان معدومين ، ألا ترى أن الرجل إذا جلس في دار نفسه وحده ، خاليا (عن الناس) (١) ثم يقول : يا مستقر اركب ، ويا قائما أقبل (٢). فإن كل أحد يقضي عليه بالجنون والنقص ، فكذا هاهنا.
وأما الوجه الثاني : وهو أن قولكم : أجمعنا على أنه تعالى متكلم. فنقول : إن عنيتم بكونه متكلما أنه فعل أفعالا مخصوصة ، دلت تلك الأفعال على كونه تعالى مريدا لبعض الأفعال ، وكارها لبعضها ، فهذا مسلم إلا أن هذا القدر لا يدل على كونه تعالى موصوفا بشيء من الصفات المسماة بالكلام ، وإن عنيتم بكونه متكلما : أمرا وراء ذلك فهذا ممنوع. والاتفاق ليس إلا في اللفظ.
وأما الوجه الثالث : وهو أن الكلام صفة كمال ، والخلو عنه نقص ، والنقص على الله محال. فجوابه : أن الاشتغال بالأمر والنهي حال عدم المأمور والمنهي ، هو النقص والسفه.
وهذا بعينه هو الجواب عن الرابع :
فهذا خلاصة الكلام المعقول في هذا الباب.
وأما اللفظيات والسمعيات ، ففيها أقوال كثيرة (٣) لا تليق بهذا الكتاب. والله أعلم بالصواب. ومنه التوفيق.
__________________
(١) من (م).
(٢) في (م ، س). تصحيف.
(٣) أقوال (س).