فهذه وجوه عقلية ظاهرة في أنه يمتنع كون هذا الطلب والخبر قديما ، سواء قلنا : إن هذا الطلب هو الإرادة أو غيرها.
واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء :
الأول : إنه تعالى حيّ ، وكل حيّ فإنه يصح أن يكون متكلما ، وكل من صح عليه الاتصاف بصفة ، فإنه يجب أن يكون موصوفا بتلك الصفة أو بضدها. وضد الكلام هو الخرس والسكوت. وذلك نقص ، والنقص على الله تعالى محال ، فوجب أن يكون في الأزل موصوفا بالكلام.
والثاني : وهو أنا أجمعنا على أنه تعالى متكلم ، فأما أن يكون متكلما لذاته ـ وهو باطل بالاتفاق ـ أو يكون متكلما (١) بالكلام ، وذلك الكلام إن كان حادثا ، فأما أن يحدث في ذاته ، أو في غيره ، أولا في محل. والأقسام الثلاثة باطلة ، فبطل كون الكلام حادثا ، فوجب أن يكون قديما. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام في (ذات الله محال ، لأنه يوجب قيام الحوادث بذات الله وهو محال. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام في) (٢) غيره محال ، لأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام حاصل في غيره ، لجاز أن يكون جاهلا بجهل يقوم بغيره ، وعاجزا بعجز يقوم بغيره. وذلك باطل. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام لا في محل : محال. فبالاتفاق. وأيضا : فكلام الله تعالى صفة ، وصفة الشيء تكون حاصلة فيه لا محالة.
والثالث : إن الكلام إما أن يكون صفة كمال ، أو صفة نقص. فإن كان صفة كمال وجب أن يكون موصوفا به أبدا. إذ لو لم يكن موصوفا به في الأزل لزم كونه خاليا عن صفة الكمال ، والخلو عن صفة الكمال ، والخلو عن صفة الكمال نقصان ، والنقصان على الله محال. وإذا كان صفة نقص وجب أن لا يتصف به البتة ، لأن النقص على الله ـ عزوجل ـ محال. وحيث توافقنا على أنه تعالى قد اتصف به ، علمنا أنه ليس من صفات النقص.
__________________
(١) متكلما (س).
(٢) من (م).