الحجة الثانية : لو كان تعالى عالما بالعلم ، لكان إما أن يكون عالما بعلم واحد ، أو بعلوم متناهية ، أو بعلوم غير متناهية ، والثلاثة باطلة ، فالقول بكونه عالما بالعلم باطل. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلم واحد ، لأنه لا يصح أن يعلم كونه تعالى عالما (بهذا المعلوم) (١) مع الذهول عن كونه عالما بالمعلوم الآخر ، والمعلوم مغاير لغير المعلوم. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلوم متناهية ، لأن معلوماته غير متناهية. وإذا توزعت المعلومات المتناهية على المعلومات التي لا نهاية لها ، لزم تعلق العلم الواحد بمعلومات كثيرة. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلوم غير متناهية ، لأن كل عدد موجود ، فإنه يقبل الزيادة والنقصان ، وكل ما كان كذلك فهو متناهي. ينتج : أن كل عدد موجود فهو متناهى. وما لا يكون متناهيا ، يمتنع وجوده.
الحجة الثالثة : لو كان عالما بالعلم ، لكان إما أن يعلم ذلك العلم بعين ذلك العلم ، وهو محال. لأن العلم لا بد فيه من نسبة مخصوصة ، وحصول النسبة بين الشيء وبين نفسه محال ، أو بعلم آخر ، والكلام فيه كما في الأول. فيلزم إما الدور وإما التسلسل ، وهما محالان.
والجواب عن الأول : إنه بناء على أن الشيء الواحد لا يكون قابلا وفاعلا. وقد بينا أنه باطل.
وعن الثاني : لم لا يجوز أن يقال الذات المخصوصة واجبة الوجود لعينها ، وهي موجبة لتلك العالمية المخصوصة ولتلك القادرية؟.
وأما الحجة الأولى للمعتزلة فنقول : إن عنيت (٢) بكون عالمية الله واجبة لعين تلك الذات المخصوصة ، فهذا عين محل النزاع ، وإن أردت أنها واجبة على الإطلاق فنقول : هذا لا يقدح في غرضنا ، فإن ذات الله إذا كانت موجبة لمعنى ، وكان ذلك المعنى موجبا للعالمية ، فحينئذ تكون ذاته موجبة لما يوجب العالمية وذلك لا يقدح في كون العالمية واجبة.
__________________
(١) من (م ، س).
(٢) أيها القاضي.