إذا عرفت هذا فنقول : لا تفرض مرتبة من مراتب الكمال في الموجودات إلا والله ـ سبحانه ـ في أعلى الدرجات. فيقال : الموجود إما مؤثر ، وإما أثر ، والمؤثر أعلى درجة من الأثر. والله ـ سبحانه ـ هو المؤثر في الكل ، فكان أعلى من الكل. وأيضا : الموجود إما واجب وإما ممكن ، والواجب أعلى درجة من الممكن ، والله ـ سبحانه ـ هو الواجب فكان أعلى من الكل. وأيضا : الموجود إما كامل مطلقا ؛ وإما أن لا يكون كذلك ، والكامل (١) المطلق أعلى حالا ممن لا يكون كذلك. والله ـ سبحانه ـ هو الكامل المطلق. فكان أعلى من كل الموجودات ، وكذا القول في كمال العلم وكمال القدرة وكمال الحياة وكمال الدوام وكمال الوجود وكمال الرحمة. وقس عليها نظائرها. فيثبت أنه ـ سبحانه ـ أعلى من جميع الموجودات في المراتب العقلية ، وجلّ وتعالى عن أن يكون علوه بحسب المكان والجهة. وإذا عرفت العلو بهذا المعنى فقد عرفت الفوقية في قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٢) وفي قوله : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٣).
ثم نقول : يرجع حاصل هذا العلو إلى أحد وجهين ، إما أن يكون معناه : هو أنه لا يساويه شيء في الشرف والمجد والعزة ، وحينئذ يكون هذا الاسم من أسماء التنزيه ، ومن أسماء السلوب ، وإما أن يكون معنى ذلك هو أنه قادر على الكل ، ومتصرف في الكل ، فيكون ذلك من باب الصفات الإضافية ، وأما الكبير. فقد ورد في صفات الله ألفاظ من هذا الجنس : هذا الفظّ (وهو الكبير) (٤) وثانيها : المتكبر ـ كما تقدم وثالثها : الأكبر (وهذا اللفظ وارد في القرآن في صفات الله. قال : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٥) وقال : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (٦) فأما في ذات الله ـ تعالى ـ فهو قولنا : الله أكبر.
__________________
(١) والكمال (س).
(٢) الأنعام (١٨).
(٣) النحل (٥٠).
(٤) من (م).
(٥) التوبة (٧٢).
(٦) النمل (٤٥).