إنما يستحقه من يعلم حقائق المصالح وغوامضها ، ثم يسلك في اتصالها إلى المستحقين سبيل الرفق دون العنف. فإذا اجتمع هذا العلم وهذا الفعل فقد تم معنى اللطيف».
ثم إنه لا يتصور كمال هذا العلم ، وكمال هذا الفعل إلا لله ـ سبحانه ـ فإما علمه ـ سبحانه ـ بالدقائق فلا إشكال فيه لأن الخفي والجلي بالنسبة إلى علمه سيان. وأما رفقه في الأفعال ، ولطفه فيها ، فلا يدخل تحت الحصر.
وهاهنا (لا) (١) يجب شرح أنواع حكم الله في خلق السموات ، والكواكب والعناصر الأربعة ، والمواليد الثلاثة ، بل يجب أن نكتفي هاهنا بشرح لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة ، فقد تعاون على إصلاحها خلق لا يحصى عددهم ، من مصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصد حبّها ومنقيها وطاحنها وخابزها ، إلى غير ذلك ، فإن شرحها لا يتم في مجلدات ، فهو سبحانه من حيث دبر الأمور حكيم ، ومن حيث أوجدها : جواد ، ومن حيث رتبها : مصور ، ومن حيث وضع كل شيء في موضعه عدل ، ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوه الرفق لطيف ، ولن يعرف حقيقة لهذه الأسماء من لم يعرف حقيقة هذه الأفعال.
الاسم الثالث : الخبير وله تفسيران : الأول : أن الخبير هو العالم بكنه الشيء المطلع على حقيقته ، يقال فلان بهذا الأمر خبير ، وله به خبرة ، إلا أن الخبرة في صفة المخلوقين إنما تستعمل في العلم الذي يتوصل إليه بالاختبار والامتحان. والله منزه عنه ، والتفسير الثاني: الخبير بمعنى المخبر كالسميع بمعنى المسم ع ، والبديع بمعنى المبدع.
الاسم الرابع : الشهيد قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)؟ (٢) وقال تعالى : (شَهِدَ اللهُ) (٣) واعلم أن الشهيد مبالغة من
__________________
(١) زيادة.
(٢) فصلت (٥٣).
(٣) آل عمران (١٨).