أن يكون خيرا محضا ، وإما أن يكون مشتملا على الخير والشر ، إلا أن الخير غالب ، وإما أن يكونا متساويين ، وإما أن يكون الخير مغلوبا ، وإما أن يكون شرا محضا. قالوا : أما الخير المحض ، فالحكمة تقتضي إيجاده وتكوينه. وأما الذي يكون مشتملا على الخير والشر ، إلا أن الخير غالب على الشر فالحكمة تقتضي أيضا تكوينه لأن ترك الخير الكثير ، لأجل الشر القليل شر كثير ، ولا يمكن أن يقال : فلم لم يخلق الخالق هذا القسم بحيث يكون خاليا عن ذلك الشر القليل؟ لأنا نقول (عن) (١) الكلام في الخير الذي يمتنع عقلا أن ينفك عن ذلك الشر القليل : هذا القسم مما تقتضي الحكمة تكوينه لأن تحصيل ذلك الخير الكثير ، منفكا عن ذلك الشر القليل ، لما كان محالا عقلا. لم يبق إلا أحد أمرين : أحدهما : أن نترك ذلك الخير الكثير : لأجل الحذر عن ذلك الشر القليل. وقد بينا أن ترك الخير الكثير (لأجل الشر القليل) شر كثير (٢) (والثاني : أن نرضى بذلك الشر القليل لأجل الرغبة في تحصيل ذلك الخير الكثير) (٣) فيثبت أنه حصل التعارض في هذا القسم بين (تحمل الشر الكثير وبين تحمل الشر القليل ، وصريح العقل ناطق بأن) (٤) تحمل الشر القليل أولى من تحمل الكثير ، فيثبت بهذا أن القسم الذي يكون خيره راجحا على شره ، فإنه واجب التحصيل في الحكمة. وأما القسم الثالث وهو الذي يتعادل فيه الخير والشر ، فالحكمة لا تقتضي إيجاده. وأما الرابع والخامس فظاهر أنه على ضد الحكمة.
إذا ثبت هذا فنقول : مخلوقات الله تعالى إما خيرات محضة ، وإن كانت مشتملة على الشر ، إلا إن الخير فيها أغلب ، فإن الجائع وإن كان كثيرا (٥) ، إلا أن الشبعان أكثر ، والمريض وإن كان كثيرا ، إلا أن الصحيح أكثر ، والمعيوب
__________________
(١) زيادة.
(٢) من (م).
(٣) من (م).
(٤) من (م).
(٥) أقل (س).