لإحراق إنسان فإنه يسلب عنها تلك الطبيعة. وإذا كان هذا ممكنا في قدرة الله كان إبقاؤها على طبيعتها في الإحراق عند ملاقاة بدن الإنسان : شرا يمكن إزالته. وأيضا : الشر سام ويحدث ورما في غشاء الدماغ والطبيب يقدر على إزالة ذلك الورم بالمسهل الخفيف. فإن كان الإله يعجز عنه فهذا الطبيب الحقير أكمل قدرة من الإله؟ وأيضا : الملك الكبير إذا استولى على أقوام ، فإن وقع في قلبه داعي يدعوه إلى الإحسان إليهم تخلصوا بسبب حصول تلك الداعية في قلبه من القتل والنهب. فإن كان إله العالم عاجزا عن خلق تلك الداعية في قلبه ، فما أعظم هذا العجز وإن كان قادرا عليه ، ولم يفعل ، فما أعظم هذا الشر.
فإن قالوا : هذا إنما يلزم إذا كان إله العالم مختارا ، فهو باختياره تارة يخلق الطبيعة النارية في جسم النار ، وتارة يزيلها عنها. أما إذا قلنا : إنه موجب بالذات فقد سقط هذا الكلام. وهكذا القول في سائر الأمثلة. فنقول : إنا قد بينا : أنه متى كان المبدأ الأول موجبا بالذات ، كان هذا البحث ساقطا عديم الفائدة. والحاصل : أن إله العالم ، إن كان موجبا بالذات ، كان هذا البحث غير محتاج إليه البتة ، وإن كان قادرا مختارا كان هذا البحث باطلا. فظهر أنه على جميع التقديرات باطل.
وأما الأصل الثاني وهو قوله : المفاسد مرجوحة بالنسبة إلى المصالح : فنقول : هذا محض المغالطة. وتقريره : يجب أن يكون مسبوقا بمقدمة.
وهي أن نقول : بقاء الإنسان سليما عن الآفات غير ، وبقاؤه مع اللذة والسرور غير ، فنقول : المقصود من تخليق الإنسان والحيوان. إما البقاء على السلامة عن الآفات ، وإما الفوز باللذة والبهجة. والأول (١) : باطل. لأن حال البقاء على العدم الأصلي كان هذا المقصود حاصلا ، فيثبت أن المقصود من التخليق يجب أن يكون هو هذه اللذة والبهجة والسرور. وإذا عرفت هذا فنقول : إن كان المراد من قولكم : الخير غالب ، والشر مغلوب : هو أن
__________________
(١) الأول (س).