إذا ثبت هذا فنقول (١) (المبدأ الأول عند الفلاسفة (بأن إله العالم) (٢) موجب بالذات ، فكان هذا البحث غير لائق بمذهبهم. وإنما يليق هذا البحث بمذهب القائلين بأن إله العالم فاعل بالاختيار.
وللفلاسفة أن يقولوا : مقصودنا من هذا البحث : أن نبين أن (٣) مخلوقات المبدأ الأول ، إما أن تكون خيرات محضة ، وإما أن تكون الخيرية فيها غالبة على الشرية ، استدلالا بكمال آثاره ، وما يجد على كمال ذاته وصفاته. ولا شك أن هذا البحث مفيد.
الوجه الثاني : إن كلامكم مبني على أصول : أحدها : إن هذه الخيرات الكثيرة لا يمكن تحصيلها إلا مع تلك الشرور. والثاني : إن تلك الشرور مرجوحة بالنسبة إلى تلك الخيرات. والثالث : إنه متى كان الأمر كذلك ، فإنه يجب تحمل تلك المرجوحية القليلة ، فيجب علينا أن نبحث عن كل واحد من هذه الأصول.
أما الأصل الأول وهو أنه لا يمكن تحصيل هذه الخيرات إلا مع هذه الشرور : فنقول:) (٤) هذا ممنوع. والدليل عليه : وهو أن الأجسام متساوية في الجسمية ، فاختصاص كل واحد منها بخاصيته المعينة وطبعه المعين ، لا بد وأن يكون لأجل الفاعل المختار. وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ يكون القادر المختار قادرا على إيجاد تلك الخواص والطبائع حال كونها سببا لحصول المنافع ، ويكون قادرا على سلب تلك الخواص والطبائع حال كونها سببا لحصول المضار والمفاسد. فيثبت بهذا : أنه يمكن تحصيل تلك الخيرات مبرأة عن تلك الشرور. فمثلا : النار متى كانت سببا لحصول المصالح والخيرات من طبخ الأطعمة ونضج الأغذية ، فإنه تبقى فيها الطبيعة النارية. ومتى صارت سببا
__________________
(١) إذا ثبت هذا فنقول ... هذا ممنوع (س).
(٢) زيادة.
(٣) خيرات (س).
(٤) انظر التعليق رقم ١٢.