القادر الفاعل ليس إلا وجود الفعل. فأما عدمه فلا تأثير للقدرة فيه ، ولا تأثير للداعي فيه. والله أعلم (١).
القسم الثالث : إنا بينا أن المنفعة عبارة عن اللذة أو السرور ، أو ما يكون مؤديا إليهما ، أو إلى أحدهما. والمفسدة عبارة عن الألم والغم ، أو ما يكون مؤديا إليهما أو إلى أحدهما. إذا عرفت هذا ، فنقول : يجب أن تكون المنافع والمضار مختلفة المراتب والدرجات بحسب كونه منافع ومضار وبيان من وجوه :
الوجه الأول : إن اللذة والسرور قابلان للأشد ، والأضعف. فقد تكون لذة أقوى من لذة وسرور أقوى من سرور ، وكذلك فقد يكون ألم أقوى من ألم ، وغم أقوى من غم. والعلم بكون هذه الأنواع قابلة للأشد والأضر علم ضروري ، لا شبهة للعاقل فيه. وأيضا : فدرجات هذا التفاوت غير مضبوطة ولا محصورة ، فإنه مرتبة من مراتب الألم إلا ويجوز العقل وجود ألم آخر ، أقوى منه. وكذا القول في الغم واللذة والسرور. ثم من المعلوم أن الرغبة في اللذة القوية أقوى من الرغبة في اللذة الضعيفة ، والرغبة في السرور (القوي أقوى من الرغبة في السرور) (٢) الضعيف وكذا القول في الألم والغم. فلما كانت درجات هذه الأغراض في القوة والضعف غير مضبوطة كانت درجات المنافع والمضار كثيرة غير مضبوطة.
والوجه الثاني في تقرير هذا التفاوت : إن التجربة دلت على أن الشيء الواحد قد يكون لذيذا عند شخص ، ويكون هو بعينه مكروها (٣) عند شخص آخر. وأيضا : فقد يكون في غاية اللذة عند شخص ومتوسط الحال عند شخص ثاني. وفي غاية النفرة عند ثالث. وأيضا : قد يكون موقع الألم القليل عند شخص أكثر من موقع الألم العظيم عند شخص آخر. ولما كان اختلاف
__________________
(١) والله أعلم (م).
(٢) من (س).
(٣) العبارة مصححة من (س).