النفوس في جواهرها وفي أمزجتها ، وفي أحوالها خارجا عن الضبط ، كانت أيضا مراتب المنفعة والمضرة غير مضبوطة ، (بحسب هذا الاعتبار (١)).
الوجه الثالث في بيان التفاوت : إنا بينا أن المطلوب بالذات هو اللذة والسرور ، وإن المكروه بالذات هو الألم والغم ، وأن ما سوى هذه الأشياء ، فهو مطلوب بالتبع أو مكروه بالتبع ، ومن المعلوم : أن الرغبة فيما يكون مطلوبا بالذات أقوى من الرغبة فيما يكون مطلوبا بالتبعية ، فقد حصل التفاوت في مراتب المصالح والمفاسد بحسب هذا الاعتبار.
والوجه الرابع في بيان هذا التفاوت : أن المطلوب بالذات ، وإن كان راجحا على المطلوب بالغير ، إلا أنه قد لا يبعد أن يصير المطلوب بالذات مرجوحا بالنسبة إلى المطلوب بالغير ، لأجل أن المطلوب بالغير أقوى وأشد فائدة (من المطلوب بالذات) (٢) مثل : أن وجدان غيره دنانير ، أسر من أكل اللقمة الواحدة.
والوجه الخامس : إن المؤدي إلى المطلوب بالذات قد يكون مؤديا إليه (٣) بواسطة واحدة ، وقد يكون مؤديا إليه بواسطتين. وكذا القول في الوسائط الثلاثة والأربعة والخمسة ، وهلم جرّا ، إلى مراتب لا يضبطها الحس والعقل. ومعلوم أن الرغبة فيما يفضي إلى المطلوب بالذات بوسائط قليلة فوق الرغبة فيما يفضي إليه بوسائط كثيرة ، لكن هاهنا اعتبار آخر ، وهو أن الذي تكثر فيه الوسائط قد يكون أقوى وأعظم فيصير معادلا لما تقل الوسائط فيه بسبب أن الكيفية من أحد الجانبين تقابل الكيفية (٤) من الجانب الآخر.
الوجه السادس : إن التجربة تدل على أن الشيء الواحد قد يكون منشئا للخير والمصلحة من وجه وللشر والمفسدة من وجه آخر. ومن المعلوم أن الشيء
__________________
(١) من (م).
(٢) من (س).
(٣) التعبير بالأداء ، مثل التعبير بالوجوه التي يحس عليها الفعل أو يقبح عند المعتزلة.
(٤) الكمية (م).