كلما كان اشتماله على وجوه المصالح أكثر ، كان ألذ وآثر. وإذا كانت تلك الجهات غير مضبوطة كانت مراتب المصالح والمفاسد غير مضبوطة.
الوجه السابع : أن حوادث هذا العالم ليست بسيطة (١) بل بعضها يمتزج بالبعض ، فيتولد عند ذلك الامتزاج أحوال أخرى. ثم من المعلوم أن مراتب الامتزاجات غير متناهية ، فوجب أن تكون مراتب المصالح والمفاسد غير متناهية.
الوجه الثامن : إن البعد خير من النسبة ، لكن يعارضه أن النسبة العظيمة العالية تكون خيرا من البعد القليل.
الوجه التاسع : أن المداومة على العمل (٢) قد تفيد في حق بعضهم الحب الشديد والميل العظيم ، وقد تفيد في حق غيرهم الملالة والسآمة. وأحوال الخلق في هاتين الحالتين مضطربة متفاوتة.
والوجه العاشر : أن الشيء قد يكون لذيذا عند إنسان ، ومكروها عند غيره. وقد يكون لذيذا إذا أمكنه تحصيله بطريق معين ، ويكون مكروها إذا كان لا يمكنه تحصيله إلا بطريق آخر. وقد يكون عند إنسان آخر بالعكس منه.
فيثبت بهذه الوجوه العشرة ، أن مراتب المصالح والمفاسد مضطربة وغير متناهية.
ثم هاهنا كلام آخر. وهو : أنا قد ذكرنا أن الدواعي والصوارف ليست هي تلك المصالح والمفاسد في أنفسها ، بل الدواعي والصوارف هي اعتقاد حصول المصالح الراجحة أو المفاسد الراجحة. ومعلوم أن انتقالات الأفكار والخيالات غير مضبوطة. وأيضا : ثبت أن النفوس الناطقة مختلفة بالماهية ، ولها أحوال مختلفة بحسب مقتضيات تلك الماهيات. فإذا اعتبرنا مجموع هذه الوجوه بسيطة وفلكية ، صارت غير متناهية. ولما عرفت أن أحوال الجوارح تابعة
__________________
(١) ليست بسيطة (س).
(٢) المصالح (س).