نفسه) (١) تكرهها وتستنكرها. وهذا التفاوت أمر معلوم بالضرورة ، فاختصاص أحد ذينك الشخصين بتلك الرغبة العظيمة دون الثاني ، إما أن يكون بالطبع أو بالخالق المختار (والأول بيناه. لأنا بينا في أول هذا الباب : أن الكلام في الحسن والقبح والحكمة) (٢) والسفه فرع على القول بإثبات الفاعل المختار. وإما بتقدير أن يكون المؤثر في وجود العالم موجبا بالذات ، يسقط هذا البحث بالكلية فيثبت : أن ذلك التفاوت لم يحصل إلا لأجل أن الله ـ سبحانه ـ خص أحدهما بتلك الرغبة والشهوة ، وخص الثاني بتلك النفرة والكراهية. وكذا القول في الرغبة في أكل الأطعمة الشهية. فرب إنسان كانت رغبته في طعام معين ، وكانت نفرته عن غير ذلك الطعام متأكدة ، ورب إنسان بالضد من ذلك ، فيثبت : أن هذه الشهوات المختلفة والرغبات المتضادة ، إنما حصلت بإيجاد الله تعالى. إذا ثبت هذا فنقول : كلما كان الميل إلى الشيء والرغبة فيه والحرص عليه أشد ، كان الالتذاذ بوجدانه أتم وأكمل ، وكلما كان هذا المعنى أقل ، كان الالتذاذ بوجدانه أضعف ... وإذا ثبت هذا فنقول: إن مقدار الإنعام مساوي لمقدار اللذة ، ومقدار اللذة مساوي لمقدار الحاجة السابقة ولمقدار الشهوة السابقة.
وقد دللنا على أن الحاجة لشهوة ضرر (والمساوي للمساوي للشيء مساوي لذلك الشيء) (٣) فيلزم أن يكون مقدار الإنعام الحاضر ، مساويا لمقدار الضرر السابق. وحينئذ يتم الكلام.
الوجه الثاني : في دفع هذا السؤال أن نقول : هب أن الحاجات والشهوات من لوازم ذوات الحيوانات إلا أن ذلك الحيوان كان قبل دخوله في الوجود عدما محضا ، ونفيا صرفا ، وما كان البتة موصوفا بشيء من الحاجات والشهوات فلما أوجده الخالق سبحانه صار بعد دخوله في الوجود موصوفا بهذه
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) والمساوي للشيء مناف لذلك الشيء (س).