والغم وما يكون وسيلة إلى أحد هذه الأشياء. ومن المعلوم بالضرورة أن القادر المختار قادر على تحصيل هذه الأمور من غير واسطة هذه التكاليف ولا يمكن أن يقال : إن تحصيل هذه الأشياء بواسطة التكاليف أيسر وأسهل ، لأنا نقول : إن حصول هذا التفاوت بالنسبة إلى قدرة الله محال ، فيثبت بهذه المقدمات الثلاثة : أن التكليف بالمعرفة والطاعة تكليف بأعمال شاقة ، مع كونها خالية عن جميع جهات الفائدة ومثل هذا قبيح في العقل ، فلو كان حكم العقل معتبرا في أفعال الله وفي أحكامه ، لوجب أن يقبح من الله كل ذلك ، ولما لم يقبح منه شيء ، علمنا : أن حكم العقل غير معتبر في حقه.
الوجه الثاني في بيان الشرطية : إن في الشاهد : من أنعم على بعض الضعفاء بنعمة ، فإن لم يكلفه في مقابلة تلك النعمة بالخدمة الشاقة كان موقع ذلك الإنعام شريفا عاليا ، أما إن كلفه بأن يقابل تلك النعمة بالخدمة فالناس يقولون إنه لئيم دنيء الهمة ، يطلب في مقابلة تلك النعمة : الخدمة الشاقة المتعبة. بل نقول : إنه لا يرغب في هذا الطلب إلا من كان دنيء الهمة ، خسيس النفس ، يستعظم قدر تلك النعمة ، فيطالب المنعم عليه بأن يعطيه عوضا على ذلك الإنعام ، فإن قصّر المنعم عليه ، في أداء ذلك العوض ، وقع في قلبه غيظ وغضب وحقد ورغبة في الانتقام ، ثم يقع في العذاب الشديد بسبب استيلاء هذه الصفات عليه ، ثم إنه يسعى في إيصال الضرر والألم إلى ذلك الشخص ليتوصل بذلك إلى الخلاص عن تلك الآلام الواقعة في قلبه ، بسبب استيلاء الغضب والغيظ عليه. ومثل هذا المنعم يكون قليل الخير ، كثير الضرر ، دنيء النفس ، ساقط الهمة. وأما إذا أنعم ، ولم يطلب من المنعم عليه شكرا وثناء ، ولا يؤذيه بسبب إقدامه على كفران تلك النعمة. فهذا (١) يعد شريف النفس ، قوي الهمة ، عالي الدرجة ، هذا في حق العبد الذي يسره الشكر ، ويسوؤه الكفران. أما الإله المتعالي عن السرور والغم والنفطع والضرر ، فكيف يليق بجلاله وكبريائه ، أن ينعم على عبده بنعمة ، ثم يطالبه
__________________
(١) فهذا يعد دنيئا لئيما سيئ الهمة ، عالي الدرجة (س).