صدقا أو لكونه كذبا. فإن قالوا : فهذا وارد عليكم أيضا لأنكم سلمتم كونه حسنا وقبيحا ، بمعنى كونه سببا لحصول المصلحة أو لحصول المفسدة. فما ذكرتموه وارد عليكم في هذا المقام.
فنقول : الفرق أنكم تقولون : إن كونه صدقا يوجب صفة الحسن ، وكونه كذبا يوجب صفة القبح. فنقول : الصدق هو المجموع (وهذا المجموع) (١) لا وجود له البتة ، (وما لا وجود له البتة) (٢) امتنع كونه موجبا لصفة ثابتة حقيقية ، بخلاف قولنا : فإنا نقول : إنا لمّا سمعنا تلك الحروف المتوالية التي اصطلحوا على جعلها معرفات لبعض المعاني ، لا جرم بهذا الطريق فهمنا منها بعض المعاني. فحينئذ ينبني على ذلك الاعتقاد أمرا من الأمور. فإن كان ذلك الكلام كذبا فحينئذ ينكشف لنا : أن سعينا كان باطلا ، وعلمنا كان مانعا. ولا معنى لكونه قبيحا إلا هذا فظهر الفرق.
الحجة الخامسة عشر : لو قال إنسان لغيره : سأقتلك غدا ، وأنهب أموالك وأسبي أولادك. على سبيل الظلم والعدوان ، فنقول : إما أن يكون الحسن ترك هذه الأشياء (أو فعلها. فإن كان الحسن تركها فنقول : ترك هذه الأشياء) (٣) يوجب ضرورة كون ذلك الخبر كذبا ، وإذا كان ذلك القول حسنا وثبت أن ذلك الترك يستلزم هذا الكذب ، وثبت أن ما يستلزمه الحسن يجب أن يكون حسنا ، فحينئذ وجب أن يكون ذلك الكذب حسنا ، وذلك يقدح في قلوبهم : إن الكذب إنما يقبح لكونه كذبا. وأما إن كان الحسن فعل ما أخبر عنه ، ووعد به ، لزم أن يكون القتل والنهب والسبي ، على سبيل العدوان حسنا. وذلك لا يقوله عاقل.
الحجة السادسة عشر : إذا قصد ظالم قتل نبي من الأنبياء ، فهرب ذلك النبي واختفى في دار رجل ، فجاء ذلك الظالم (وسأل ذلك الرجل مكان ذلك
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).