النبي ، وعلم ذلك الرجل أنه لو صدق أقدم ذلك الظالم على قتل ذلك النبي) (١) فههنا يجب عليه الكذب وترك الصدق. وذلك يدل على أن كونه كذبا لا يوجب القبح.
فإن قيل : على هذا الكلام سؤالان :
الأول : إنه لا يجوز له أن يكذب ؛ بل الواجب عليه أن يقدم على التعريضات ، كما قيل : «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب».
الثاني : هب أنه يجب عليه الكذب (في هذه الصورة) (٢) إلا أنا نقول : إن العلة قد يتخلف عنها معلولها لقيام المانع. وهاهنا حصل هذا المانع ، فلا جرم تخلف الأثر عن العلة ، وذلك لا يقدح (٣) في قولنا : إن كونه كذبا يوجب القبح. والله أعلم.
والجواب عن السؤال الأول : إنا نفرض الكلام فيما إذا كان ذلك الظالم عالما بجميع وجوه المعاريض ، وكان المسئول عنه عالما بأنه لو أقدم على شيء من التعريضات ، لعلم ذلك الظالم كون النبي عنده (وحينئذ يبالغ في الطلب ، ويقدم على القتل ، فههنا لا فائدة في التعريض البتة) (٤) فلم يبق إلا أحد أمرين : إما السعي في إهدار دم ذلك النبي المعصوم ، أو التزام الكذب ، ولما كان الأول باطلا ، تعين الثاني.
والجواب عن الثاني : أن نقول : لو جوزنا تخلف القبح (عن الكذب) (٥) لبعض الموانع فحينئذ لا كذب إلا ويحتمل أنه حصل فيه مانع من كونه قبيحا. وعلى هذا التقدير وجب أن لا يبقى الوثوق بشيء من كلام الله ، ولا من كلام رسوله ، فإنه تصير كل هذه النصوص مظنونة لا معلومة.
__________________
(١) من (س).
(٢) من (م).
(٣) يقدح (س).
(٤) من (م).
(٥) من (س).