ولعله يتوعد بعضهم بالعقاب ولا يفعل ، ولعله يدخل الأنبياء والملائكة في أطباق النيران أبد الآبدين ، ولعله يدخل الفراعنة والأبالسة في أعالي درجات الجنة أبد الآبدين ، ولعله يظهر المعجزات على يد الكذابين ، ولعله يبعث الأنبياء والرسل ويؤيدهم بالمعجزات القاهرة ، ويأمرهم بدعوة الخلق إلى شتم الله ، وشتم الملائكة ، ويأمرهم بدعوة الخلق إلى الفواحش والزنا والسرقة ، ويأمرهم بزجر الخلق عن تعظيم الله وطاعته ، ولعله يبعث الأنبياء والرسل إلى الجمادات ، ويأمرهم بأن يأمروا الجمادات ببعض الأعمال ، وينهوها عن بعضها ، ولعله يأمر الأنبياء بأن يأخذوا الناس ويقيدوا أيديهم وأرجلهم ، ثم يأمر برميهم من شواهق الجبال. ويقول لهم : في تلك الساعة : إن من لم يطفر منكم في هذه الساعة إلى ما فوق العرش فإن الله يعذبه (١) عليه أبد الآباد. فإن التزمتم جواز كل ذلك فقد خرجتم عن العقل ، وإن اعترفتم بقبحها فقد اعترفتم بتحسين العقل وتقبيحه.
والحجة الثالثة : قالوا : لو لم يكن معنى الحسن والقبح مقررا في العقول ، لكان عند ورود الشرع بالتحسين والتقبيح قد خاطبنا بما لا نفهمه ولا نعقله وذلك باطل ، فوجب أن يكون معنى الحسن والقبح مقررا قبل الشرع.
الحجة الرابعة : إنه لا نزاع في ثبوت الحسن في بعض الأفعال ، وثبوت القبح في بعضها. فثبوته إما أن يكون موقوفا على الشرع ، أو لا يكون. والأول باطل. لأن ثبوت الشرع موقوف على دلالة المعجزة على الصدق. وهذه الدلالة موقوفة على أنه لا يجوز من الله تعالى إظهار المعجز على يد الكذاب ، فلو كان قولنا : إن ذلك غير جائز من الله بل يتوقف على الشرع لزم الدور وأنه باطل. ولما بطل هذا ثبت أن الحسن والقبح لا يتوقف ثبوتهما على الشرع ، فهما ثابتان قبل الشرع. وذلك يدل على أن الحسن والقبح ثابتان قبل الشرع.
فهذا تمام الكلام في حكاية أقوال المعتزلة (والله أعلم) (٢).
__________________
(١) يقدر عليه (س).
(٢) من (م).