بكون الإحسان حسنا ، وبكون الظلم قبيحا أمرا آخر ، سوى رعاية المنفعة والمضرة ، فهذا غير متصور ، فضلا عن أن يكون (مصدقا به ، وعن أن يكون) (١) التصديق به بديهيا.
فهذا هو المقام الحق الذي يجب على العاقل المحقق أن يتأمل فيه ، لتنكشف له حقيقة هذه المسألة. وتمام الكشف والبيان فيه أن نقول : إنا نعلم بالضرورة أن لنا شيئا نطلبه (ونميل إليه) (٢) ، ونرغب في تحصيله ، وأن لنا شيئا آخر تنفر عنه طباعنا ، وتكرهه عقولنا ، ونرغب في دفعه وعدمه. ثم نقول : لا يجوز أن يكون كل شيء إنما كان مطلوبا لأجل شيء آخر (ولا أن يكون كل شيء إنما يكون مكروها لأجل الكراهية عن شيء آخر) (٣) وإلا لزم إما الدور وإما التسلسل. وهما باطلان ، فيثبت أنه لا بد من الاعتراف بوجود شيء يكون مطلوبا لذاته ولعينه ، لا لشيء آخر. ومن الاعتراف بوجود شيء يكون مكروها لذاته ولعينه لا لشيء آخر. ثم نقول : لما تأملنا وبحثنا وجدنا أن المطلوب بالذات ليس (إلا اللذة والسرور ، أو دفع الألم والغم. ووجدنا أن المكروه بالذات ليس) (٤) إلا الألم والغم أو دفع اللذة والسرور. فهذه المقدمات معلومة بالضرورة.
ثم كل ما علم أو ظن كونه وسيلة إلى حصول الأمور المطلوبة بالذات يكون أيضا مطلوبا لا بذاته ، لكن لكونه مفضيا إلى ذلك الذي هو مطلوب بالذات ، وكذا القول في جانب الأمور المكروهة بالذات ويتفرع على هذه المقدمة مقدمة أخرى وهي أن الشيء المكروه بالذات قد يكون سببا لحصول شيء مطلوب بالذات. ثم العقل هاهنا يعتبر درجات الخير والمقابلة ، فإن وجد ذلك المكروه حقيرا بالنسبة إلى ذلك المطلوب ، فههنا يتحمل ذلك المكروه القليل ، في وجدان ذلك المطلوب العظيم. وكذا القول في الجانب الآخر ، ولا شك أن
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).
(٤) من (م).