القيد السادس : قولنا : (١) ولا يجري مجرى الغير. فهذا احتراز عما إذا طرح إنسان طفلا في الثلج ، فإن الألم الحاصل فيه من فعل الله ، إما مبتدأ ، وإما متولدا عن برودة الثلج ، وهو حسن ، لأنه يجري مجرى فعل الطارح لأنه يقبح من الله تعالى أن يفعل ذلك عند شيوخنا في غير زمان وجود الشيء (٢) ، لأنه بعض عادة. وإنما قلنا : إنه يحسن ذلك لا لأجل العوض (لأن العوض) (٣) الواجب في ذلك ، لازم على الطارح وهو عوض (٤) غير موف ، لأنه لو كان موفيا لكان طرح الطارح غير ظلم ، لأنه قد أوى إلى نفع (موف) (٥) فهذا تفسير الظلم على ما ذكره أبو الحسين البصري.
إذا عرفت هذا فنقول : أطبق المتكلمون على أن العلم بالأصل متى كان نظريا ، امتنع أن يكون العلم بالفرع ضروريا ، ولا شك أن العلم بماهية الظلم أصل للعلم بكونه قبيحا ، والعلم بماهية الظلم لا يحصل إلا بهذا المعنى (٦) ، الذي لا يتصوره إلا أهل التحقيق ، بالنظر الدقيق ، ولما كان العلم بهذا الأصل نظريا ، فالعلم بكون الظلم قبيحا ، امتنع أن يكون بديهيا ، لما بينا أن العلم بالأصل ، إذا كان نظريا امتنع أن يكون العلم بالفرع بديهيا ، فيثبت بهذه البيانات : أن ادعاء العلم البديهي في هذا المقام : باطل (محال والله أعلم) (٧).
فإن قال : أنا أعني بقولي : الظلم قبيح بالضرورة هو أن كل من علم ماهية الظلم على هذا الوجه ، علم بالضرورة كونه قبيحا. ولا أعني به : أن هذا العلم حاصل لجمهور العقلاء. فنقول : لما سلمت أن هذا العلم غير حاصل لجمهور العقلاء ، ولا يمكن ادعاء هذا عليهم. لم يبق معك إلا أنك
__________________
(١) قولنا (س).
(٢) النبي (ت).
(٣) من (س).
(٤) كاف (س).
(٥) من (ت).
(٦) الحد (ت).
(٧) من (س).