عالم بعدد أجزاء تلك الإصبع ، وبعدد أجزاء تلك المسافة ، فيثبت أن القادر قد يكون قادرا على ما لا يعلمه ولا يعتقده ، ولا يظنه.
الثاني : إن الناس اختلفوا في أن الأجناس المقدورة للعباد. كم هي؟
فلو لزم من كونه قادرا على الشيء ، كونه عالما به ، لزم أن يكون العلم بالأجناس المقدورة للعباد علما ضروريا ، ولما لم يكن كذلك ، ثبت أنا قد نقدر على أشياء مع أنا لا نعلمها.
الأمر الثاني (١) : في بيان أنا عند الخلو عن هذه الاعتقادات ، يصح الفعل منا. والدليل عليه : أنه لو لم يصح ذلك لزم أن يكون القادر على الشيء غير قادر عليه ، لأن المعنى من كونه قادرا ، كونه بحيث يصح أن يصدر منه الفعل (٢) فإذا فرضناه قادرا عند الخلو من هذه الاعتقادات ، ثم قلنا : إنه (٣) لا يصح منه الفعل ، لزم أن نقول : إنه حال كونه قادرا على الفعل ما كان قادرا على الفعل. وذلك متناقض.
الحجة الثانية : إن الساهي والنائم ، قد يصدر الفعل عنهما مع عدم الدواعي.
أما في حق الساهي فتقريره من وجهين : الأول : إن الواحد منه قد يحرك إصبعه حال ما يكون مشغول القلب بعمل آخر ، وفي تلك الحالة كان غافلا عن تحريك ذلك الإصبع ، مع أنه فعله. فههنا قد حصل الفعل من غير الداعي. الثاني : إن الرامي (قد يرمي) (٤) إلى شيء فيصيب شيئا آخر ، فتلك الإصابة الواقعة على سبيل الخطأ : فعله. مع أنه ما دعاه الداعي إلى ذلك الفعل ، فيثبت أن الفعل قد يحصل بدون الداعي.
وأما في حق النائم : فتقريره من وجهين : (الأول : إن النائم يتنفس
__________________
(١) المقدمة الثانية [الأصل].
(٢) فيه (م).
(٣) يصح (س).
(٤) قد يرمى (م).