الحجة السادسة : إنه لم يتوقف الفعل على الداعي ، لزم أن لا يكون الله ـ تعالى ـ مستحقا للحمد والثناء على شيء من أفعاله أصلا ، ويلزم أن لا تدل خلق المعجزات على صدق الداعي أصلا ، ويلزم أيضا : أن لا يدل صدور الكلام من المتكلم على معنى من المعاني أصلا. وكل هذه اللوازم باطلة فذلك الملزوم أيضا باطل.
أما الأول فلأنه إذا جاز أن يصدر الفعل عن القادر ، لا لداعي ، لامتنع أن يقال : إنه تعالى ، وإن خلق الأشياء النافعة إلا أنه خلقها ، لا لداعية أصلا ، وإذا كان كذلك فحينئذ ما خلقها لداعية الإحسان ، لأن داعية الإحسان داعية بكيفية وعند (١) انتفاء أصل الداعي ، لا تكون الداعية المكيفة حاصلة. وإذا ثبت احتمال أنه تعالى ما خلق هذه الأشياء لداعية الإحسان وجب أن لا يستحق على شيء من أفعاله الحمد والثناء. ومعلوم أن ذلك باطل.
ومما يقوي هذا الكلام : (أن الأصل) (٢) في كل أمر بقاؤه على ما كان. والأصل عدم خلق الأشياء لداعية الإحسان. فإذا حصل الخلق ، وكان التقدير أن حصول الخلق لا يتوقف على حصول الداعي ، فيلزم أن تبقى حصول تلك الداعية على العدم الأصلي. وعلى هذا التقدير فإنه يلزم المطلوب. وأما الثاني فلأنه إذا جاز صدور الفعل عن القادر ، لا لداعي ، جاز من الله تعالى أن يخلق المعجزات ، لا لشيء من الدواعي أصلا ، وعلى هذا التقدير فإنه يخرج المعجز عن أن يدل على أنه تعالى إنما خلقه لغرض التصديق ، فحينئذ يخرج المعجز عن كونه دليلا عن الصدق. وأما الثالث فلأنه إذا جاز صدور الفعل عن القادر ، لا لداعي ، فلعل المتكلم بهذه الألفاظ وهذه الكلمات فعلها ، وأدخلها في الوجود ، لا لغرض الإفهام والتعريف. ومع (بقاء) (٣) هذا الاحتمال فإنه يخرج هذا الكلام عن كونه مفيدا ، فيثبت أن القول بجواز صدور الفعل عن
__________________
(١) وعند (س).
(٢) أن الأصل (م).
(٣) من (م).