القادر ، لا للداعي ، يلزم منه هذه الأباطيل ، فوجب أن يكون القول به باطلا.
واعلم أن الكلام المعتمد للخصم (١) في هذا الباب أن يقول : صدور الفعل عن القادر من غير الداعي ، إنما يصح في حق الجاهل إما في حق العالم ، فإنه لا يصدر الفعل عنه إلا للداعي. هذا هو الجواب الذي عليه تعويل القوم.
ونحن نقول : هذا باطل من وجهين :
الأول : إن العلم إذا انضم إلى القدرة ، فإن العلم لا يقلب حقيقة القدرة ولا يبطل ماهيتها ، فإذا كان مجرد القادرية صالحا لأن يكون مصدرا للفعل ، وجب أن تبقى هذه الصلاحية أيضا مع العلم (وإذا كان كذلك) (٢) فهذا يقتضي صحة صدور الفعل عن القادر ، العالم ، لا للداعي ، فيثبت أن الفرق الذي ذكروه باطل.
والثاني : إنهم جوزوا الترجيح من غير مرجح في حق العالم ، ألا ترى أنهم جوزوا ترجيح أحد القدحين على الآخر. وترجيح أحد الرغيفين على الآخر ، لا لمرجح مع أن الفاعل في هذه الصور عالم. وأيضا : جوزوا من الله تعالى إحداث العالم في وقت معين دون ما قبله وما بعده ، لا لمرجح. وأيضا : جوزوا من الله تعالى تخصيص كل جوهر فرد بحيز معين، دون سائر الأحياز ، لا لمرجح ، فبطل قولهم : إن صدور الفعل عن العالم (٣) من غير المرجح باطل. وهذا تمام الكلام في هذا الباب. والله أعلم.
__________________
(١) للخصم (م).
(٢) من (م).
(٣) عن الفاعل (م).