صار في غاية القوة ، (لأنه صار بحيث لا يجوز في العقل تركه ، فهذا تفصيل هذا التقسيم على أصول المعتزلة) (١).
وأما الفلاسفة والمتكلمون الذين ينكرون (القول بتحسين العقل وتقبيحه ، فقد أطبقوا على إنكار داعية الإحسان ، وقالوا : لنا في) (٢) إنكار هذا الكلام مقامان. المقام الأول : البحث عن كون الشيء حسنا في نفسه ، وقبيحا في نفسه ، والمقام الثاني : أنه بعد تلخيص معنى الحسن والقبح. هل يمكن أن يقال : إن العلم به يصلح أن يكون داعيا إلى الفعل؟ أما المقام الأول. فتقريره : إنا بينا أن المنفعة مطلوبة بالذات ، وإن المضرة مكروهة بالذات ، فكل ما أفضى إلى حصول المنفعة الراجحة كان حسنا ، ولا معنى لحسنه إلا كونه كذلك ، وكل ما أفضى إلى حصول المضرة الراجحة كان قبيحا ولا معنى لقبحه إلا ذلك. وإذا ثبت أنه لا معنى للحسن والقبح إلا كونه منشئا للمصالح والمفاسد ، فحينئذ لم يكن اعتبار الحسن والقبح أمرا مغايرا لرعاية المصالح والفاسد ، بل كان هذا عين هذا القسم. وإذا ثبت هذا فنقول : اعتبار أحوال المصالح والمفاسد إنما يصح في حق من يجوز عليه المنفعة والمضرة (٣) ، ولما ثبت أن إله العالم واجب الوجود لذاته ، في ذاته وفي صفاته ، كان النفع والضرر محالا في حقه ، فوجب أن يكون اعتبار معنى الحسن والقبح في أفعاله (٤) محالا.
قالت المعتزلة : الدليل على أن اعتبار الحسن والقبح مغاير لاعتبار كونه مصلحة ومفسدة : أن الشيء قد يكون قبيحا (مع كونه نافعا) (٥) وقد يكون حسنا مع كونه ضارا وذلك يوجب المغايرة. وبيانه من وجوه.
__________________
(١) من (م).
(٢) من (م).
(٣) من (م).
(٤) في أفعاله (ت ، م) في حقه (س).
(٥) من (م ، ت).