الأول (١) : أن الظلم نافع للظالم ، مع أن الظالم يشهد صريح عقله بكون الظلم قبيحا.
والثاني : إنا إذا فرضنا إنسانا أنشأ قصيدة غراء بألفاظ فصيحة ، وكتبها بخط حسن. وقرأها بأصوات طيبة ، وكانت تلك القصيدة مشتملة على شتم الملائكة والأنبياء والصالحين. كان سماع تلك الألفاظ الفصيحة والتركيبات الكاملة بتلك الأصوات الطيبة لذيذ ، مع أن صريح العقل يحكم فيها بالقبح.
والثالث : إن الكذب النافع منتفع به ، مع أن صريح العقل ينادي عليه بالقبح.
والرابع : إن من رأى إنسانا مريضا ، أعمى مشرفا على الموت في صحراء ليس فيها أحد ، فإن عقله يدعوه إلى الإحسان إلى ذلك المريض الأعمى (فههنا صريح العقل ، حكم بحسن ذلك الإحسان ، وذلك الإحسان يوجب تنقيص المال وتحمل المشقة في النفس) (٢) فههنا صريح عقله يدعوه إلى فعل ذلك الإحسان إلى ذلك المريض فههنا عقله يدعوه إلى فعل ذلك الإحسان ، وليس له فيه البتة شيء من وجوه النفع. وذلك لأن دفع المال إليه تنقيص للمال ، هو ضرر ، وذلك المريض الأعمى لا يعرفه فلا يطمع هذا المعطي في أن يذكره بالثناء والحمد.
ولم يحضر في تلك الصحراء أحد ، حتى يقال : إنه إنما أحسن إليه لأجل أن الحاضرين يمدحونه. وأيضا : فربما كان هذا المعطى دهريا ينكر الإله والمعاد ، فلا يمكن أن يقال : إنه إنما أقدم على ذلك الإحسان لأجل الرغبة في الثواب.
فههنا العقل حكم بحسن ذلك الإحسان ، مع أنه خالي عن جميع جهات النفع ، فظهر بهذه الوجوه أن حكم العقل بالتحسين والتقبيح مغاير لحكمة طلب المنافع والمضار.
__________________
(١) يريد أن يقول : لا داعي للبحث في الحكمة من وراء الأفعال.
(٢) من (م ، س).